أخبار العالم

اتفاق لبنان.. حسابات المكسب والخسارة وكواليس المهمة الصعبة

إعداد ـ محمد كمال
رغم الملابسات والكواليس المحمومة التي صاحبت عملية الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان، فإن الجانب الأكثر صعوبة لم يأت بعد، والذي يتمثل في تطبيق الاتفاق وضمان استمراريته، حتى يتحول إلى سلام دائم في تلك المنطقة الحدودية الملتهبة، وهو ما قد يدفع إلى قراءة المشهد من منظور المكسب والخسارة لكل الأطراف المعنية.
وبعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن التوصل إلى الاتفاق، بين الطرفين المتحاربين، فقد كشفت تقارير كواليس الساعات الأخيرة، والتي أظهرت قلقاً داخل أروقة الحكومة الإسرائيلية خشية تعرض رئيسها بنيامين نتنياهو لانتقادات وضغوط من وزراء اليمين المتطرف، قد تهدد ائتلافه الحاكم. ولذلك سارع مكتبه إلى القول، إنه «أُجبر على الموافقة بعد تعرضه لضغوط أمريكية شديدة».
ووفق تقرير لصحيفة هآرتس العبرية، فإن مكتب نتنياهو قال في البداية: إن إدارة بايدن هددت إسرائيل بحظر الأسلحة ورفض استخدام حق النقض في الأمم المتحدة إذا لم يتم التوقيع على الاتفاق، ولذلك لم يكن أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي أي خيار سوى الموافقة.
لكن المسؤولين الأمريكيين عقدوا على الفور مؤتمراً صحفياً، نفوا خلاله مزاعم تعرض نتنياهو لضغوط، وقالوا، إنه كان شريكاً كاملاً في المحادثات، دون أي تهديد، وأن الأمر كان محاولة وساطة نجحت في رأب الصدع بين الطرفين.
وتعتبر الإدارة الأمريكية المزاعم الإسرائيلية، محاولة من نتنياهو لتخفيف انتقادات اليمين الإسرائيلي للصفقة. كما يعتقد مراقبون أمريكيون أن أحد الاعتبارات التي أثرت على نتنياهو هو رغبته في تهدئة جبهة واحدة على الأقل في الحرب قبل وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى منصبه.
وقالوا: إن الرغبة في الحفاظ على علاقات جيدة مع ترامب كان لها تأثير فيه أكبر من أي تهديد من جانب بايدن.
وترى عائلات الرهائن الإسرائيليين، أنه في اليوم التالي لتنصيب ترامب، يمكنه إتمام صفقة في غزة، واستشهدوا بموقف للرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان، الذي تم انتخابه خلال أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران، وقد تم إطلاق سراح هؤلاء في 20 يناير 1981، وهو اليوم الذي دخل فيه ريجان البيت الأبيض.

ـ حسابات الربح والخسارة ـ
ومن الملاحظ أن اتفاق وقف القتال في لبنان، جاء في توقيت يناسب كافة الأطراف الرئيسية المعنية، بما في ذلك إسرائيل، ولبنان، والولايات المتحدة، وأوروبا، وفق محللين استراتيجيين.
ويرى تقرير لصحيفة «تليغراف» البريطانية أن الجيش الإسرائيلي هو الرابح الأكبر، فرغم أنه فقد أكثر من 50 جندياً وكماً كبيراً من المعدات منذ أن عبر الحدود اللبنانية، لكنه تمكن من إضعاف حزب الله بشكل كبير كقوة مقاتلة، حيث تم تخفيض ترسانته من الصواريخ إلى النصف تقريباً، كما تم تدمير أنظمة أنفاقه، وتعطلت أنظمته المالية وسلاسل توريده بشكل مؤثر.
ـ هل فاز نتنياهو؟ ـ
بالنسبة لنتنياهو وائتلافه الحاكم، فإن الفوز أقل تأكيداً، حيث لم يعد النازحون بعد إلى منازلهم، وهو ما دفع معارضون إسرائيليون إلى القول: إن «نصف المهمة» فقط قد تم إنجازها.
ورغم ادعاء نتنياهو المثير للجدل بأنه أعاد حزب الله «عقوداً إلى الوراء»، فقد أظهر استطلاع للرأي أجري ليلة الثلاثاء لناخبي ائتلافه أن 20% فقط يؤيدون اتفاق وقف إطلاق النار.
ويقول بيني غانتس، عضو مجلس الوزراء المصغر سابقاً: إن «سحب القوات الآن سيخلق ديناميكية من شأنها أن تجعل الأمر صعباً بالنسبة لإسرائيل، ويسهل على حزب الله إعادة تجميع صفوفه».
بينما أكد نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أنه «لا يزال لدى حزب الله مخزونه من عشرات الآلاف من الصواريخ». وأضاف بلهجة ساخرة: «إنجاز عسكري مبهر.. يُترجم إلى فشل أمني دبلوماسي كامل».
وبالنسبة لحزب الله، فإن البقاء، سياسياً وعسكرياً، هو مكسب بالنسبة له، بعد إقرار الاتفاق كما يمكنه تفسير ما تعرض له من خسائر بوجهات نظر تدعم أفكاره.
ـ ترامب أم بايدن؟ ـ
ورغم تقديم جو بايدن للصفقة على أنها انتصار للمفاوضين الأمريكيين، فإن ترامب هو الذي سيحقق أكبر المكاسب، وفقاً لخبراء. وكدليل على ذلك قال مايك والتز، الذي اختاره ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي: «الجميع يأتون إلى الطاولة بسبب الرئيس ترامب».
ويشير مقربون من ترامب، إلى أنه فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بتعهده بـ «إنهاء الحروب». كما أكدوا أن «انتصاره الساحق بعث برسالة واضحة إلى بقية العالم مفادها أنه لن يتم التسامح مع الفوضى.

ـ المهمة المعقدة ـ
ويكرر الاتفاق الجديد قرار الأمم المتحدة رقم 1701 الذي يطالب حزب الله بالانسحاب إلى شمال نهر الليطاني وتوقف إسرائيل عن الطيران فوق المجال الجوي اللبناني.
وسينتشر الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية بعد انسحاب القوات الإسرائيلية وتراجع مقاتلي حزب الله، وكما كان الحال من قبل، ستتولى قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) مراقبة المنطقة. وستشكل الولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى لجنة يجب على الجانبين التشاور معها قبل اتخاذ أي إجراء بشأن الانتهاكات المحتملة.
ويتضمن الاتفاق فترة تنفيذ مدتها 60 يوماً للسماح للجيش الإسرائيلي بالانسحاب وللجيش اللبناني بتأمين المنطقة الحدودية ومنع حزب الله من إعادة الانتشار المسلح هناك، وهي المهمة الصعبة بالنظر إلى السنوات الطويلة التي لم تتمكن هذه القوات خلالها من منع تسليح الحزب وترسيخ قواعده في الجنوب اللبناني.
ونتيجة لذلك، تصر إسرائيل على حرية ضرب حزب الله حتى بعد وقف إطلاق النار إذا اعتقدت أن الجماعة تشكل تهديداً. ويقول مسؤول إسرائيلي لصحيفة «وول ستريت جورنال»: «لن نضع الأمن المستقبلي في شمال إسرائيل في يد اليونيفيل، ولن نعود إلى 6 أكتوبر»، في إشارة لبدء القتال بعد هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة.
وتتمتع قوات اليونيفيل بتفويض منذ عام 1978، عندما غزت إسرائيل لبنان بعد هجوم شنه مسلحون على حافلة في وسط إسرائيل، ما أسفر عن مقتل 38 مدنياً. وكانت مهمتها مراقبة انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان ومساعدة الحكومة اللبنانية في الحفاظ على الأمن في جنوب البلاد المضطرب.
ولكن بحلول عام 1982، عادت إسرائيل إلى القتال في لبنان. وبعد الحرب بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006، شملت مهمة اليونيفيل مراقبة أنشطة حزب الله في جنوب لبنان ومساعدة جهود الجيش اللبناني بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701.
وتقوم قوات اليونيفيل بإبلاغ الجيش اللبناني وإسرائيل بالانتهاكات المحتملة، وهما المسؤولان عن تصحيح السلوك، وإلى الأمين العام للأمم المتحدة الذي ينقل النتائج بانتظام إلى مجلس الأمن.
لكن العديد من الأسئلة لا تزال دون إجابة، بما في ذلك كيف سيمارس الجيش اللبناني سلطته وفرض الأمن، ولا يمكن تحديد ذلك بدقة إلا بالانتظار ومراقبة النتائج على أرض الواقع، خلال الأيام المقبلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى