التعريفة الجمركية لترامب.. سياسات اقتصادية جديدة أم ورقة ضغط تفاوضية؟
إعداد ـ محمد كمال
يبدو أن العالم مقبل على اضطراب اقتصادي كبير، في حال قيام الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بتطبيق تعهده القاضي بفرض رسوم جمركية مرتفعة على أكبر ثلاثة شركاء تجاريين لبلاده، وهم كندا والمكسيك والصين، وبينما يرى مراقبون أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تداعيات مزلزلة، فإن آخرين اعتبروها مجرد ورقة تفاوضية لانتزاع تنازلات بشأن التجارة وأولويات السياسة الأمريكية الأخرى كالهجرة.
وبحسب تقارير اقتصادية غربية فإن قادة الدول المعنية وغيرهم، إضافة إلى كبريات المؤسسات الاقتصادية بدأت الاستعداد لاضطراب جديد محتمل في الاقتصاد العالمي الذي خرج للتو من مواجهة حادة مع التضخم المتنامي وأسعار الفائدة المرتفعة، فضلاً عن النزاعات المستمرة بشأن التجارة الدولية.
ترامب قال، إنه سيفرض رسوماً جمركية على الواردات، من كندا والمكسيك بمعدل 25%، ومن الصين بـ 10% بمجرد توليه منصبه، المقرر في 20 يناير/كانون الثاني، معتبراً أن التعريفات الجمركية الجديدة على أكبر ثلاثة شركاء تجاريين لأمريكا بمنزلة رد على استمرار تدفق مخدر الفنتانيل والمهاجرين غير الشرعيين إلى الحدود الأمريكية.
استثمارات ضخمة
وبحسب بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، فقد جاءت بضائع بقيمة أكثر من 1.3 تريليون دولار من الدول الثلاث في عام 2023، بما في ذلك الغاز والسيارات والهواتف الذكية.
ويقول جون فيرونو، المفوض التجاري الأمريكي في عهد الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، إنه «من الممكن أن يكون للتعريفات المقترحة تأثيراً مزلزلاً في الدول الثلاث وكذلك الولايات المتحدة، خصوصاً إذا قامت الشركات بإضافة الكلفة الجديدة إلى أسعار البيع»، وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست».
كما قال، إنه من المحتمل أن تلجأ الشركات المتأثرة إلى: «تغيير البوصلة نحو دول لن تفرض رسوماً جمركية على منتجاتها، كما يمكن أن تلجأ الدول الثلاث إلى فرض تعريفات انتقامية ضد الولايات المتحدة».
ورغم تصريحات ترامب التهديدية، فإن الغموض مازال يغلفها، حيث لم يتم نشر تفاصيل خطته بعد، مثل ما إذا كان سيتم إدراج المواد الخام كالنفط الخام وكذلك السلع المصنعة مثل السيارات كأهداف للتعريفة الجمركية.
تأثر المكسيك
وتجري الولايات المتحدة اتفاقيات تجارة مع المكسيك أكثر من أي دولة أخرى. واستوردت بضائع بقيمة 475 مليار دولار من المكسيك العام الماضي وصدرت ما يقرب من 323 مليار دولار.
ويذهب نحو 80% من الصادرات المكسيكية إلى الولايات المتحدة، وتمثلت الغالبية العظمى العام الماضي في سلع مصنعة، فقد استوردت أمريكا ما قيمته أكثر من 400 مليار دولار منها، مقارنة بنحو 20 مليار دولار من المنتجات من قطاعات الزراعة والغابات والثروة الحيوانية المكسيكية.
والشيء نفسه تقريباً من قطاعات النفط والغاز والتعدين. وشملت السلع السيارات وقطع غيارها وأجهزة الكمبيوتر والمعدات الكهربائية الأخرى والمشروبات والأدوات الطبية والأجهزة المنزلية.
تداعيات في كندا
أما كندا، فتعد الشريك التجاري الثاني، فقد استوردت الولايات المتحدة ما يزيد على 418 مليار دولار من البضائع من كندا في عام 2023، وصدرت ما قيمته 354 مليار دولار.
وأهم السلع التي تستوردها الولايات المتحدة من كندا، النفط الخام والمنتجات ذات الصلة، وكذلك المركبات وقطع غيارها، والآلات مثل التوربينات والمحركات وقطع غيار معدات البناء، وفقاً لشركة أبحاث عالمية.
وتستورد الولايات المتحدة أيضاً بمليارات الدولارات، منتجات مثل البلاستيك والأدوية والمعادن مثل الألومنيوم والحديد والذهب والخشب والورق والمنتجات الزراعية.
ووفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست، فإن أي تغيير كبير في السياسات التجارية الأمريكية، سيكون له تداعيات خطرة على كندا، فأكثر من ثلاثة أرباع سلع التصدير الكندية تذهب إلى الولايات المتحدة، ويأتي ما يقرب من نصف السلع المستوردة الكندية بدورها من جارتها الجنوبية.
ماذا عن الصين؟
تعد الصين ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، فقد استوردت منها ما قيمته 427 مليار دولار من البضائع العام الماضي وصدرت لها ما يقرب من 148 مليار دولار.
وكانت أهم السلع التي استوردتها الولايات المتحدة من الصين العام الماضي هي الإلكترونيات، بما في ذلك الهواتف، وأجهزة الكمبيوتر، والألعاب والمعدات الرياضية، والأثاث، والبلاستيك. كما أنها تستورد بمليارات الدولارات أيضاً مجموعة واسعة من المعدات الطبية والملابس والأحذية والمواد الكيميائية والأدوية.
كما تشتري الولايات المتحدة نحو 15% من صادرات الصين وهي أكبر سوق لمنتجاتها، وفقاً لشركة تريدينغ إيكونوميكس.
تعديل اتفاقية التجارة الحرة
ووفق خبراء الاقتصاد، فإن تعهدات ترامب الجديدة ترسل إشارة واضحة إلى أنه يريد إعادة كتابة شروط اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، ما يعني أنه جاد في توجهاته، حتى لو أدت إلى حرب تجارية عالمية.
ويقول إسوار براساد، أستاذ الاقتصاد والسياسة التجارية بجامعة كورنيل، والرئيس السابق لقسم الصين بصندوق النقد الدولي، «إن بكين تقف على أعتاب حقبة جديدة من الحمائية التجارية، وتصميم ترامب الواضح على استخدام التعريفات الجمركية كأداة للدبلوماسية الدولية سيكون له آثار مدمرة كبيرة في الولايات المتحدة، والتجارة العالمية».
بينما اعتبر جو بروسويلاس، كبير الاقتصاديين في شركة المحاسبة العالمية RSM، أن التعريفة الجمركية الإضافية بنسبة 10% على الواردات الصينية هي «طلقة افتتاحية»، فيما قال مايكل هارت، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في الصين: «يتوقع الكثير من الناس أن يكون ترامب مفاوضاً، لذلك أعتقد أن هذه بداية المناقشات أو بداية المفاوضات».
ويقول خبراء اقتصاد، لصحيفة وول ستريت جورنال: إن التهديد بالتعريفة الجمركية يشير إلى أن ترامب يسعى إلى إدراج الهجرة والأمن والمخدرات في المفاوضات التي تدور عادة حول التجارة فقط.
وأضاف: «إذا واصل ترامب فرض رسوم جمركية فورية وأحادية الجانب، فإن هذا يعني التحول إلى «السلاح النووي» في اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا».
تداعيات قوية داخل أمريكا
من المرجح أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى ارتفاع أسعار الصلب والألومنيوم في الولايات المتحدة، لأن كندا والمكسيك من الموردين الرئيسيين لهذه المعادن، كما تشتري أمريكا تقريباً كل النفط الكندي.
وفي السياق نفسه، فقد أمضت شركات صناعة السيارات، بما في ذلك جنرال موتورز وفورد، عقوداً من الزمن في التخطيط لمصانعها أخذاً في الاعتبار التجارة الحرة بين الدول الثلاث.
وعلى سبيل المثال فإنه وفق البيانات الاقتصادية فإن نحو 16% من المركبات التي سيتم بيعها في الولايات المتحدة هذا العام، من المكسيك، حيث يجري تصنيع ما يقرب من 2.5 مليون سيارة وشاحنة وسيارة دفع رباعي، بينما ستمثل المركبات المصنعة في كندا نحو 7% من المبيعات. ويعني ذلك أن التعريفات الجديدة ستؤثر بشدة في قاعدة إمدادات السيارات، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة.
كما يعمل المئات من موردي قطع الغيار في المكسيك، بتغذية المصانع المحلية وفي أمريكا على حد سواء. وقال مارك باروت المسؤول في شركة بلانت موران الاستشارية: إن بعض الأجزاء تعبر الحدود عدة مرات في مراحل مختلفة من الإنتاج، وإذا خضعت لتعريفة جمركية في كل مرة فستقع هذه التكاليف على عاتق المستهلك.
ويتوقع بينيتو بربر، كبير الاقتصاديين في شركة Natixis، أن إقدام ترامب على هذا الإجراء في وقت مبكر جداً، ربما يكون علامة على رغبته في التفاوض بسرعة. وأضاف «المكسيك ستقدم له شيئاً سيقبله بمجرد أن يصبح رئيساً»، في إشارة على ما يبدو لمنع الهجرة غير الشرعية.
كما قالت نائبة رئيس الوزراء الكندي كريستيا فريلاند في بيان: إن وكالات إنفاذ القانون الكندية تعزز قدرتها على اكتشاف المواد الأفيونية المتدفقة جنوباً إلى الولايات المتحدة، في إشارة إلى قلق ترامب بشأن الفنتانيل.