ترامب وشي بينغ.. مخاوف مشروعة وفرص كثيرة
د. أيمن سمير
قبل إعلان نتائج الانتخابات الأمريكية كان هناك جدل في آسيا حول من هو المرشح الرئاسي الأمريكي الأفضل للصين، هل هي الديمقراطية كامالا هاريس أم الجمهوري دونالد ترامب؟ لكن بعد نجاح الجمهوريين في تحقيق «الموجة الحمراء» في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب والبيت الأبيض وحكام الولايات، بات لدى الرئيس المنتخب دونالد ترامب «تفويض كامل وبلا شروط» لتنفيذ أجندته الداخلية والخارجية وفي مقدمتها «استراتيجياته الجديدة» للتعامل مع الصين.
ورغم اختلاف البيئة الدولية الحالية عن الأوضاع والظروف التي كانت سائدة في ولايته الأولى «2016-2020» إلا أن «المفتاح الاستراتيجي» الذي يعتمد عليه ترامب في التعامل مع بكين يبدأ وينتهي عند «المعيار الاقتصادي» بكل أبعاده التجارية والاستثمارية والتكنولوجية، وهو بذلك يختلف عن فلسفة ورؤية الإدارة الديمقراطية الحالية بقيادة الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس اللذين كانت تقوم رؤيتهما على تطبيق «نظرية الأناكوندا» لتطويق الصين بالتحالفات العسكرية والاقتصادية، وبناء سلاسل من القواعد العسكرية العملاقة تصل منها الأسلحة بسهولة للبر الصيني، ولهذا يعتقد فريق كبير من الصينيين والآسيويين أن ترامب بكل «الحروب التجارية» التي يمكن أن يخوضها ضد الصين سيظل في النهاية أفضل من الديمقراطيين وكامالا هاريس الذين كادوا أن يشعلوا «حرباً ساخنة» مع التنين الصيني عندما قامت رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي بزيارة تايوان في 2 أغسطس 2022.
لكن هناك فريقاً يقول إن ترامب هو «الخيار الأسوأ» للصين، فإضافة إلى «الحروب التجارية» التي يمكن أن يخوضها مع الصين بفرض 60% من الرسوم التجارية يتبنّى ترامب سياسة «السلام الذي يعتمد على القوة»، وهو ما يعني أن ترامب سوف يعمل على تعميق التفوق العسكري والجيو- سياسي الأمريكي ضد الصين، ويرى هذا الفريق في اختيار ترامب لوزير الخارجية مارك روبيو أن سياسات ترامب المستقبلية سوف تثبت أنه «الخيار الأسوأ» للصين، حيث يتبنّى روبيو موقفاً شديد العدائية تجاه بكين، ويطلق عليه في مجلس الشيوخ الأمريكي «عدو الصين»، فما المسارات والسيناريوهات التي تنتظر الصين في عهد الرئيس ترامب؟ وهل يترحّم الصينيون على أيام بايدن وكامالا هاريس أم أن الرئيس الصيني شي جين بينغ قادر على إدارة واحتواء أي «اندفاعة أمريكية» اعتماداً على الاحترام الشديد الذي يجمعه مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب؟
وعود انتخابية
يخشى صانعو القرار في الصين أن تكون الوعود السياسية والاقتصادية التي قطعها الرئيس المنتخب دونالد ترامب للناخبين الأمريكيين على حساب العلاقات الأمريكية الصينية، ولهذا سوف تراقب الصين تصريحات ترامب وفريقه الرئاسي خاصة وزير خارجيته مارك روبيو، ووزير الدفاع بيت هيغسيت، ورئيسة المخابرات الوطنية تولسي غابارد، والذين سيعملون على تنفيذ رؤية ترامب التي تتعلق بالصين، والتي تقوم على مجموعة من المتغيرات وهي:
أولاً: دعم التحالفات سيكون بشروط
سوف يرث الرئيس ترامب سلسلة من التحالفات والاتفاقيات العسكرية التي أبرمتها إدارة الرئيس جو بايدن، ووفق تصريحات سابقة لترامب والمقربين منه فإنه لا يمانع في مواصلة عمل هذه الاتفاقيات العسكرية لكن بشرط أن لا تكون عبئاً على دافعي الضرائب الأمريكيين، ولهذا سوف يراجع فريق ترامب الالتزامات المالية لشركاء أمريكا في «تحالف أوكوس» الذي يضم مع الولايات المتحدة كلاً من بريطانيا وأستراليا، و«تحالف كواد الرباعي» الذي يضم مع الولايات المتحدة كلاً من اليابان والهند وأستراليا، كما سيراجع فريق ترامب تكاليف نشر نحو 50 ألف جندي أمريكي في اليابان، ونحو 30 ألف جندي آخرين في كوريا الجنوبية.
ورغم ما شهدته الميزانية العسكرية من ارتفاع تاريخي في كل من اليابان وكوريا الجنوبية يتوقع فريق ترامب من اليابان وكوريا الجنوبية شراء مزيد من الأسلحة الأمريكية بعد شراء طوكيو نحو 500 صاروخ توماهوك، ورفع الميزانية العسكرية اليابانية إلى نحو 330 مليار دولار للسنوات الخمس القادمة، وهو سيناريو تكرر في كوريا الجنوبية التي زادت من إنفاقها العسكري، ووسعت من قاعدة صناعاتها العسكرية، ووفق عدد من الصحف الأمريكية فإن فريق ترامب سوف يراجع مدى مساهمة اليابان وكوريا الجنوبية بشكل مناسب في استضافة ونفقات القوات والقواعد العسكرية الأمريكية في كلا البلدين، وهو سيناريو يمكن أن يتكرر مع القواعد العسكرية الأمريكية الجديدة التي اتفقت عليها إدارة بايدن مع كل من الفلبين وفيتنام وأستراليا وجزر المحيط الهادئ، ومن شأن هذه المراجعة أن تخلق توترات وخلافات بين الولايات المتحدة من جانب، وحلفائها الآسيويين من جانب آخر، وهو ما يصب عملياً في صالح الصين، وقد يدفع كل ذلك الصين لتقديم مرونة في الجوانب التجارية وفتح أسواقها أمام مزيد من الصادرات الأمريكية، وسبق لترامب بالفعل أن طلب في ولايته الأولى من كوريا الجنوبية واليابان زيادة مساهمتهما في نفقات استضافة القوات الأمريكية، كما سبق لترامب أن طلب من اليابان وكوريا الجنوبية زيادة استثماراتهما في الولايات المتحدة، وهو أمر يتوقع الكثيرون في واشنطن أن يكرره ترامب في ولايته الجديدة.
ثانياً: معادلة مختلفة مع تايوان
رغم أن ترامب هو أول رئيس يتلقى تهنئة بفوزه الرئاسي عام 2016 من تساي إينغ وين رئيسة تايوان إلا أنه حافظ على جوهر السياسة الأمريكية التي تعترف ب«الصين واحدة»، وهو بذلك يتبنّى الموقف الأمريكي الكلاسيكي منذ عام 1979 بأن تايوان جزء من الأراضي الصينية، لكن الأخطر جاء من الرئيس بايدن عندما تعهد في 23 مايو 2022 بالدفاع «عسكرياً» عن تايوان إذا حاولت الصين غزو الجزيرة، وفي سبيل ذلك أرسل بايدن أكبر كمية من السلاح والذخيرة خلال سنوات حكمه إلى تايوان، كان آخرها الصفقة التي أقرها الكونغرس في 24 إبريل الماضي، والتي تضمنت تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 8.1 مليار دولار لتايوان وحلفاء آسيويين آخرين، وضم الكونغرس الحالي بأغلبيته الديمقراطية تايوان ضمن الدول التي تتمتع بقانون «الإيجار والاستعارة»، والذي يسمح للحكومة الأمريكية ببيع السلاح والذخيرة لتايوان على أن تقوم تايوان بسداد قيمة هذه الأسلحة فيما بعد.
لكن ترامب على العكس من ذلك، يسعى لكي تدفع تايوان مقابل أي خدمة دفاعية أو أسلحة تقدمها واشنطن. وأشار ترامب إلى قضية أخرى سوف تسعد قلوب الصينيين عندما تحدث عن عدم عدالة تصدير تايوان رقائق وأشباه موصلات بمليارات الدولارات للولايات المتحدة، وضرورة أن تكون العلاقة التجارية عادلة مع تايوان، وأن تدفع تايوان ثمن أي جهد عسكري أمريكي لتعزيز الدفاعات التايوانية.
ثالثاً: قمم جديدة مع زعيم كوريا الشمالية
لدى ترامب انطباع إيجابي حول عقد صفقة جديدة مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جون أون عندما قال قبل انتخابات 5 نوفمبر الجاري «من اللطيف أن تسوي العلاقة مع من لديه أسلحة نووية كثيرة». وسبق لترامب أن عقد 3 قمم مع الزعيم الكوري الشمالي، الأولى في سنغافورة في 10 مايو 2018، والثانية في هانوي في 27 فبراير 2019، والثالثة كانت داخل المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين في 30 يونيو 2019، وهناك توقعات بأن يحاول ترامب عقد «القمة الرابعة» مع الزعيم الكوري الشمالي في العام الأول من الولاية الثانية لحكمه، ورغم تغير الأوضاع العسكرية والجيو- سياسية في الكوريتين وشرق آسيا منذ مغادرة ترامب البيت الأبيض في 20 يناير 2021 إلا أن الحديث الإيجابي لترامب عن زعيم كوريا الشمالية سوف يصب في صالح تحسين العلاقات الصينية الأمريكية، ويعطي الرئيس ترامب ورقة مهمة لمقايضتها مع أي مقاربة جديدة مع الصين.
رابعاً: الثورات الملونة والوعظ الأخلاقي
لا يشك أحد في أن ترامب هو الخيار الأفضل للصين عندما يتعلق الأمر بملفات التدخلات في الشؤون الداخلية للدول، فمعروف عن الرئيس ترامب أنه لا يحبذ التدخلات في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، كما أن الجمهوريين ليسوا من أنصار دعم «الثورات الملونة» تحت مسمى حقوق الإنسان، وسبق لإدارة بايدن أن أثارت قضايا تتعلق بأقاليم صينية مثل التبت وشينجنيانج وهونغ كونغ، وهذه الملفات لن تحظى إلا ببعض البيانات من نواب ديمقراطيين في الكونغرس، ويمكن للرئيس ترامب أن يتجاهلها في ظل الأغلبية الجمهورية في مجلسي الشيوخ والنواب، وما يعزز هذه الفرضية هو ترشيح ترامب للنائبة الديمقراطية السابقة تولسي غابارد، لمنصب مديرة الاستخبارات الوطنية، وهي تعارض التدخلات في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهو أمر سوف ترحب به الصين كثيراً في ظل إصدار الكونغرس الحالي في عهد الديمقراطيين قانوناً يدعم سكان إقليم شينجيانج، وهو ما أغضب الصينيين
خامساً: مقاربة اقتصادية جديدة
تقوم المقاربة الاقتصادية للرئيس المنتخب دونالد ترامب على فرض مزيد من القيود والرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية من الصين، وبحسب البرنامج الانتخابي للرئيس ترامب فإن هناك خللاً في الميزان التجاري لصالح الصين يصل لنحو 350 مليار دولار، ففي عام 2022 وصلت التجارة البينية بين البلدين لنحو 690 مليار دولار منها 125 ملياراً فقط صادرات أمريكية للصين، بينما بلغت الصادرات الصينية للولايات المتحدة نحو 550 مليار دولار، ويسعى ترامب لرفع قيمة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية للولايات المتحدة بنحو 60% بغرض حماية الصناعات المحلية وعودة الروح لما يسمى «ولايات الصدأ»، وهي الولايات التي تضررت منذ توقيع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما «اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ» في 4 فبراير 2016، وأدت إلى إغلاق مئات المصانع في ولايات مثل أوهايو ونبراسكا وميتشجان ونورث كارولينا، وانتخب ناخبو هذه الولايات الرئيس ترامب والجمهوريين في 5 نوفمبر الجاري، كما أن اختيار ترامب لنائبه جي دي فانس من ولاية أوهايو يعود لهذا السبب، ولأول مرة تقف العديد من النقابات العمالية في تلك الولايات بجانب ترامب في الانتخابات، وهي نقابات كانت تاريخياً تؤيد الديمقراطيين، ولهذا يسعى ترامب لنقل المصانع الأمريكية التي تعمل في المكسيك والصين للعودة إلى تلك الولايات، تارة عبر تخفيض الضرائب وتقليل أسعار الطاقة، وتارة أخرى لحماية المنتج الأمريكي عبر فرض مزيد من الحواجز الجمركية على البضائع الصينية بنسبة تبدأ من 60%، وقد تصل هذه الرسوم على بعض المنتجات الصينية إلى 100%.
سادساً: قلق صيني من مارك روبيو
هناك قلق صيني خاص من المرشح لمنصب وزير الخارجية وهو السيناتور عن ولاية فلوريدا مارك روبيو، لأن روبيو الذي هرب جده من كوبا يعادي كل الدول ذات الأنظمة اليسارية أو الشيوعية، وكانت تصريحاته سلبية وعدائية جداً تجاه الصين، بعكس وزير الخارجية الأمريكي الحالي أنتوني بلينكن الذي استطاع في زيارات كثيرة كسر حدة الجليد عندما كانت تتوتر العلاقة بين بكين وواشنطن، لكن هناك من يقول إن المواقف عندما تكون وزيراً للخارجية تختلف عن عضوية مجلس الشيوخ، خاصة أن هناك شخصيات أخرى في إدارة ترامب يمكن أن تدير فقط «التنافس» بين الولايات المتحدة والصين دون الانزلاق إلى «الصراع» أو الحروب، ومن هذه الشخصيات تولسي غابارد المرشحة لمنصب مدير المخابرات الوطنية، ومايك والتز المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي.
سابعاً: أقوى جيش في العالم
تقوم فلسفة ترامب في العمل الدبلوماسي والعلاقة مع دول العالم من منطلق «القوة التي تعزز السلام»، ولهذا سوف يسعى ترامب لتعزيز الجيش الأمريكي بكل فروعه وقواته، كما سيسعى لعمل «القبة الحديدية» لحماية الأراضي الأمريكية، كما أنه سيعمل على تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في الفضاء بعد أن أكد له كبار قادة القوات الفضائية دعمهم لاستخدام «حرب المناورة» في عمليات الردع والحرب الفضائية، ورغم رفض الولايات المتحدة في السابق لفكرة «عسكرة الفضاء» إلا أن توصيات كبار القادة الأمريكيين يمكن أن تدفع ترامب للاستثمار في الأسلحة الفضائية القادرة على استهداف الأهداف الأرضية، والصين هي هدف هذه الخطة لأن تقديرات القادة الأمريكيين هي أن الصين تمتلك الآن نظاماً قوياً للغاية ومتعدد الطبقات من الأسلحة الجوية والبرية والبحرية، وأن خيار أمريكا الأول يجب أن يكون الدفاع أو الهجوم من الفضاء، وهي رؤية لو أقدم عليها ترامب يمكن أن تطلق «سباق تسلح في الفضاء» مع الصين.
ثامناً: الالتزام يجب أن يكون للجميع
هذا هو شعار دونالد ترامب فيما يتعلق بالالتزام بالاتفاقيات العسكرية الدولية، ولهذا يعارض ترامب أي التزام أمريكي بالاتفاقيات العسكرية التي لا تلتزم بها الصين، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة والصين سوف تظلان خارج اتفاقية «منع إنتاج ونشر الصواريخ النووية القصيرة والمتوسطة المدى التي يمكن أن تحمل رؤوساً نووية»، وهي الاتفاقية التي خرج منها ترامب في أغسطس 2019 اعتراضاً على عدم انضمام الصين إليها.
الواضح أن عودة ترامب للبيت الأبيض تحمل فرصاً وتحديات كثيرة للصين، لكن الاحترام الشديد الذي يجمع ترامب بالرئيس شي بينغ يمكن أن يوفر «منصة دبلوماسية رفيعة» لتجاوز التحديات والاستفادة من الفرص المتاحة.
[email protected]