أخبار العالم

كيف يخطط نتنياهو للرد على «محاولة اغتياله»؟

إعداد: محمد كمال
كان من الطبيعي أن يناقش مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي استهداف منزل بنيامين نتنياهو في قيسارية، في الوقت الذي وصفه المجلس في سلسلة نقاشات سبقت الاجتماع بمحاولة اغتيال غير مسبوقة في أي حرب خاضتها إسرائيل، فيما قدم عدد من الوزراء مقترحات للرد على الهجوم بعد أن طلب منهم نتنياهو ذلك، وفق ما أوردت صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
ووفق التقرير فقد انتقد عدد من الوزراء رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي نتيجة الحادث، وحملوه الفشل في منع طائرة مسيرة يبدو أنها تابعة لحزب الله اللبناني، من الوصول إلى منزل نتنياهو، والتي أدت إلى أضرار طفيفة، بينما لم يكن نتنياهو أو زوجته موجودين في المبنى بحسب التصريحات الرسمية الإسرائيلية.
وفاجأ نتنياهو عدداً من الوزراء قبل انعقاد اجتماع المجلس الأمني بطلبه مقترحات لطريقة الرد على استهداف منزله، حيث بادر بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية وزير الطاقة إيلي كوهين، بوصفه بـ«الحادث الجنوني»، وأنه «لم تحدث في أي حرب محاولة لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي، فيما قال وزير المالية بتسلئيل سموتريش الذي ينتمي لليمين المتطرف، إن الهجوم له أهمية «استراتيجية كبيرة».
ـ بن غفير ومقترحه المتهور ـ
وعندما طلب نتنياهو الذي وصف الحادث بـ «الخطأ المرير» أفكاراً حول الكيفية التي ينبغي لإسرائيل أن ترد بها على الهجوم، أفادت التقارير بأن وزيرة المواصلات ميري ريجيف دعت إلى «مهاجمة إيران مباشرة»، في تلميح إلى وقوفها خلف الهجوم، وهو ما نفته طهران وأعلنت بشكل رسمي عدم مسؤوليتها عنه.
لكن وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، والذي كثيراً ما يتبنى تصريحات تصعيدية مثيرة للجدل، قد اقترح الإطاحة بشخصيات رئيسية في لبنان رداً على ذلك، في الوقت الذي علق فيه وزير الدفاع يوآف غالانت بسخرية على الحادث، قائلاً: «أوصي بالقضاء على زعيم حزب الله حسن نصر الله وسلسلة قيادات من الحزب، لكننا فعلنا ذلك بالفعل».
أما وزير التعاون الإقليمي ديفيد أمسالم، فاقترح أنه رداً على هجوم الطائرات بدون طيار «من الممكن تدمير جزء من الضاحية الجنوبية معقل حزب الله في بيروت في كل مرة يحاولون القيام بشيء من هذا القبيل».
وبحسب التقرير العبري فإن غالانت كان الوزير الوحيد الذي لم يكن حاضراً في المناقشة التي سبقت اللقاء مع نتنياهو، والتي قرر فيها أعضاء الحكومة مسبقاً توجيه انتقادات لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي.
ـ نفاد الأهداف وجرائم الحرب ـ
أما هاليفي، الذي دافع عن إدارة الجيش الإسرائيلي فقد قال للوزراء: «لقد نجحنا في إحباط العديد من هجمات الطائرات بدون طيار، وقمنا بتعزيز قدراتنا، ونواصل التعلم والتحسين. كان هناك رد. بين عشية وضحاها ضربنا أهدافاً مهمة في بيروت، في قلب الضاحية». ثم رد على اقتراح أمسالم، قائلاً: «الهدف يتطلب سبباً.. نحن لا ندمر المباني دون سبب».
وللمفارقة فقد قال المدعي العام الإسرائيلي غالي باهاراف ميارا خلال الاجتماع إن «تدمير الممتلكات دون مبرر يعد جريمة حرب»، فرد عليه أمسالم قائلاً: «وعلى افتراض نفاد الأهداف لدينا، واستمرارهم في إطلاق مئات الصواريخ والقذائف كل يوم فسنقوم بذلك»، ثم تساءل مازحاً: «أعطهم عناقاً كبيراً؟».
ويورد التقرير أنه كثيراً ما هاجم أعضاء الحكومة الإسرائيلية القادة العسكريين والأمنيين في العام الذي أعقب هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، واتهموهم بالفشل في واجبهم في إحباط الهجوم، ولم يقبل نتنياهو علناً المسؤولية الشخصية المباشرة عن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول، وعرقل تشكيل لجنة تحقيق حكومية في الكارثة.
وخلال الاجتماع، اتهم الوزراء أيضاً هاليفي بالفشل في توزيع المساعدات الإنسانية في غزة، وكانت مسألة المساعدات شوكة في خاصرة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية منذ بداية الحرب، خصوصاً بعد أن عادت هذه القضية إلى الظهور في الأسابيع الأخيرة وسط تهديد الولايات المتحدة بسحب مساعدتها العسكرية.
وبحسب ما ورد قال هاليفي للوزراء: «ليس لدي فائض في القوة البشرية لهذه المهام.. هل تريدون أن يصاب جنودنا أثناء توزيع أكياس الطحين في النصيرات وسط غزة؟ أحتاج إلى كل جندي للقتال في غزة وفي لبنان.. المنظمات الدولية ستفعل ذلك».
ـ الهدنة المصغرة والأونروا ـ
وشمل الاجتماع أيضاً مناقشة اتفاق وقف إطلاق النار المحدود مع حماس، والذي يتم بموجبه إطلاق سراح عدد صغير من الأسرى الإسرائيليين مقابل هدنة لمدة أسبوعين، ويبدو أنه ذات المقترح الذي عرضه رئيس المخابرات المصرية الجديد محمود رشاد على رئيس الشاباك رونين بار، لكن الوزراء الإسرائيليين لم يظهروا تفاؤلاً بشأن فرص التوصل إلى اتفاق نهائي شامل، بحسب تقارير عبرية.
وبينما ناقش المجتمعون القضايا المتعلقة بالأونروا واتهمها بالتواطؤ في بعض هجمات حماس، فقد حذر ممثلو وزارة الخارجية الإسرائيلية من أن الجهود الرامية إلى استهداف الوكالة عبر التشريع الساعي لإنهاء أعمالها في غزة، يمكن أن تكون لها تداعيات دبلوماسية خطيرة، حيث قالوا إن إسرائيل لا تواجه ضغوطاً من الولايات المتحدة للتعاون مع الأونروا فحسب، بل إن عرقلة المنظمة قد تنتهك ميثاق الأمم المتحدة، الأمر الذي قد يؤدي حتى إلى طرد إسرائيل.

ـ نتنياهو يربح سياسياً ـ
وبعيداً عن محاولة الاغتيال المزعومة، يبدو أن مسار العمليات العسكرية، خصوصاً بعد مقتل العديد من زعماء حزب الله اللبناني وعلى رأسهم أمينه العام حسن نصرالله، ثم رئيس المكتب السياسي لحماس يحيى السنوار، أنعشت حظوظ نتنياهو ورفعت من أسهمه السياسية والتي كانت قد انخفضت بشكل كبير بعد هجوم 7 أكتوبر، وفق نتائج استطلاعات حديثة أوردتها صحيفة وول ستريت جورنال.
وأظهر نتنياهو، البالغ 75 عاماً مزيداً من النفوذ السياسي، فيما تكشف الاستطلاعات أن المزيد من الناخبين الإسرائيليين سيختارونه لمنصب رئيس الوزراء على حساب الزعماء الرئيسيين للمعارضة، رغم عدم نجاحه حتى الآن في حل مشكلة الرهائن المحتجزين في غزة، والتي تثير قلقاً مستمراً في الشارع الإسرائيلي.
ويرى مراقبون أنه قد يؤدي الدعم المتزايد لنتنياهو بين الناخبين اليمينيين إلى تحسين موقفه في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بدفعة دبلوماسية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتدرس إسرائيل الرد على الضربات الصاروخية الإيرانية، وذلك مع وصول وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بليكن في زيارة إلى المنطقة.
وذكر التقرير أن الأرقام المتزايدة في استطلاعات الرأي لا تعني أن مشاكل نتنياهو السياسية قد انتهت، فقد أظهرت الاستطلاعات أيضاً الانقسامات العميقة في إسرائيل، بما في ذلك حول كيفية تحقيق إطلاق سراح الرهائن، ومن المرجح أن تجعل من الصعب عليه تشكيل ائتلاف حاكم. لكن عموماً لن يكون من المقرر إجراء انتخابات جديدة قبل عامين آخرين ما لم تسقط الحكومة في وقت مبكر.
وبعد أيام من مقتل السنوار، عاد المتظاهرون إلى شوارع تل أبيب، وحثوا الحكومة الإسرائيلية على إعطاء الأولوية للاتفاق في غزة لإعادة ما يقرب من 100 رهينة ما زالوا هناك، والذين يفترض الآن أن العديد منهم قد ماتوا. ولم يظهر نتنياهو أي ميل جديد للتفاوض على وقف إطلاق النار. لكن على العكس فقد تعهد بمواصلة الحرب، مستخدماً عبارة توراتية: «سألاحق أعدائي وأدمرهم. ولا أرجع حتى يُبادوا».
ولأشهر بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أراد معظم الإسرائيليين استقالة نتنياهو. وناقش مشرعو الليكود الإطاحة به، لكن لم يظهر أي منافس قوي. ثم قاوم نتنياهو الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة والقيادة العسكرية الإسرائيلية وعائلات الرهائن من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
ويقول ياكوف كاتز، الزميل البارز في معهد سياسة الشعب اليهودي: «ما فعله نتنياهو بذكاء شديد هو عدم السماح للحرب بالانتهاء.. فبينما تستمر الحرب، فإن ذلك يجعل الكثير من الناس يعتقدون أن هذا ليس الوقت المناسب للتغيير. وعندما يسير شيء على ما يرام، فإنه ينسب إليه الفضل، حتى لو لم تكن له علاقة كبيرة به».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى