يوسف أيوب يكتب عن: اتساع دائرة الصراع في المنطقة والرد الإيراني المتفق عليه

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

اتساع دائرة الصراع في المنطقة، هذا ما سبق وحذرته منه القاهرة فور انطلاق العمليات العسكرية الإسرائيلية البربرية ضد المدنيين العزل في قطاع غزة، وقال الرئيس السيسى صراحة في أكثر من مناسبة إن توسع دائرة الصراع في المنطقة بشكل يضر بالأمن والاستقرار الإقليميين، رابطاً ذلك بما يحدث في قطاع غزة، وأن استمرار الوضع الحالي سيؤدى إلى انتقال العمليات العسكرية من القطاع إلى مناطق وبؤر أخرى، بدأت ارهاصاتها في البحر الأحمر، ومن الممكن أن تنتقل إلى مناطق أخرى.

 

استدعاء هذا التحذير ضرورى خاصة في ظل الأجواء المرتبطة التي تعيشها المنطقة في الوقت الراهن، ارتباطاً بالعمليات الإسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين، وصولاً إلى انتقال المناوشات الإسرائيلية الإيرانية إلى مرحلة مختلفة عن السابق، فبعدما كان الصدام بينهما يأخذ الطابع غير المباشر وفى أراضى غير أراضى الدولتان، اليوم حدث تطور جديد، وهو احتمالية الصدام المباشر، حتى وأن أخذ حتى الأن شكل "الصدام المتفق على حدوده".

نعم، فما حدث الساعات الماضية، من رد إيرانى على الاستهداف الإسرائيلي لمبنى سفارة طهران في العاصمة السورية دمشق، يدخل ضمن إطار مصطلح جديد، يبدو أن الدبلوماسية الإيرانية ستسير عليه مستقبلاً لفترة طويلة، وهو مصطلح "الرد العسكرى المتفق عليه"، وهنا لا يعنى أن هناك اتفاق مباشر بني إيران وإسرائيل على الرد، وإنما من الواضح أن هناك قنوات غير مباشرة، حملت الكثير من الرسائل المتبادلة بين الطرفين طيلة الأيام القليلة الماضية، أنتجت ما رأيناه وتابعناه الساعات القليلة الماضية، من إطلاق إيران لمجموعة من المسيرات والصواريخ تجاه إسرائيل لأول مرة، كانت الدفاعات الإسرائيلية في انتظارها، وقبل أن تصل خرجت تصريجات رسمية إيرانية أن الرد الإيراني تم، وأنهم بانتظار ردة الفعل الإسرائيلية، وهى الردة التي لم تتأخر، بأعلان إسرائيل ومعها الإدارة الأمريكية أنهم في طريقهم لضبط النفس، خاصة أن الرشقات الإيرانية لم تسبب أية خسائر تذكر.

والمعروف وفقاً لتتبع كافة المواقف الإيرانية إن طهران لا تسعى إلى مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، وكذلك الولايات المتحدة التي تدرك أن عملية استدراج طهران لمواجهة إقليمية هو خطر يهدد مصالحها وسيقود إلى صراع شامل واسع النطاق في الشرق الأوسط، خاصة أن إيران أحد مصادر الطاقة الكبرى بالعالم، والمواجهة معها ستؤدي حتماً لاضطراب الأسواق العالمية في الوقت الذي لاتزال تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية تؤثر على إمدادات الطاقة في العالم وتسبب اضطرابات بالأسواق العالمية، لذلك رأينا وتابعنا ما يمكن وصفه بالرد المتفق عليه.

هذا هو مفهوم الرد العسكرى المتفق عليه، والذى يبدو أن كان نتاج تفاهمات كثيرة، اعتمدت في مجملها على تحقيق رغبة طل طرف بحفظ ماء الوجه، سواء في الداخل أو في الخارج أيضاً، لكن السؤال الأن، هل يمكن أن تتطور الأمور إلى أبعد من هذه التفاهمات؟!

الأجابة تقتضى أولاً العودة إلى أسباب ما حدث.

ما حدث مرتبط باستهداف إسرائيلى مباشر للسفارة الإيرانية في دمشق، وليس للأمر علاقة بالوضع القائم في غزة، لكن بالتأكيد هناك أطراف ستسعى إلى استغلال ما حدث وربطه بالوضع العسكرى المتوتر في غزة، وإظهار الأمر وكأن هناك من تحمل مسئولية الرد المباشر على العدوان الإسرائيلي، رغم أن حقيقة الأمر تنفى ذلك مطلقاً، بدليل أن الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع مستمرة لأكثر من ستة أشهر، ولم تتحرك المسيرات الإيرانية للرد الا بعد استهداف سفارتها في دمشق، حتى ان الفترة الماضية، شهدت استهداف اسرائيلى مباشر لعناصر وقيادات إيرانية في دول مختلفة، لكن لم تتحرك طهران للرد المباشر، الا حينما تم استهداف مبنى السفارة في دمشق.

هذا هو السبب المباشر لما حدث اليوم، وكل المؤشرات تؤكد أنه لن يتلوه تحرك إيرانى أخر مباشر ولا رد إسرائيلى، وإنما سنعود مرة أخرى إلى مرحلة الردود غير المباشرة عبر الأذرع المختلفة لكلا الطرفين.

وبالعودة إلى التحذير من اتساع الصراع في المنطقة، فالامر هنا مرتبط حقيقة بالغليان الذى تشهده منطقة الشرق الأوسط نتيجة للممارسات والانتهاكات الإسرائيلية وعدوانها المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وعدم الامتثال للقرارات والأعراف والمواثيق الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن الداعي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وذلك على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، فضلاً عن الدعم الأمريكي والغربى لهذه الانتهاكات، بما أظهر المعايير المزدوجة للغرب، الذى يتحدث على مدار الساعة عن احترام حقوق الإنسان، في حين أنه يبارك عمليات الإبادة الجماعية التي تمارسها تل أبيب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وتقف العواصم الغربية صامتة أمام هذه الانتهاكات.

كل هذا يزيد من فرص اشتعال المنطقة، وقد يكون ما حدث اليوم من إيران، بداية كما سبق الإشارة إلى دخول أطراف أخرى أقليمية، او ما يطلق عليهم بـ"الأذرع" لتنفيذ خطط معينة، تؤدى في النهاية إلى توسيع الصراع، وهنا بات ضروريا على القوى الكبرى أن تتدخل وتعلى صوت الحكمة والعقل لتجنيب المنطقة ويلات تلك الحرب التي ستقضي على فرص السلام والاستقرار بالشرق الأوسط، كما أن المجتمع الدولي ومجلس الأمن عليهم دور قوى تجاه حفظ الأمن والاستقرار بالمنطقة من خلال اتخاذ قرارات تضمن امتثال إسرائيل لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية، ووقف عدوانها ضد الشعب الفلسطيني وتوفير الحماية له، وفق الآليات الإلزامية التي يوفرها ميثاق الأمم المتحدة، باعتبار أن ذلك هو الخطوة الأولى لتهدئة الأوضاع المشتعلة بالمنطقة خلال الوقت الحالي، أخذا في الاعتبار أن إفلات إسرائيل من المُساءلة والمحاسبة على جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين وتنفيذ عمليات عسكرية لأهداف بداخل دول الجوار، في تعد صريح على سيادة تلك البلدان، جعلها فوق القانون الدولي وأعطاها الضوء الأخضر للتمادي في سياستها المتهورة وعمليتها غير المدروسة التي تستدرج المنطقة لحرب إقليمية، وهو ما يتعين معه تحديداً على الولايات المتحدة الأمريكية، التي قدمت دعماً لا محدوداً للحكومة الاسرائيلية في حربها ضد الفلسطينيين، أن تضاعف جهودها لإثناء تل أبيب عن الاستمرار في حربها ضد قطاع غزة ووقف توجيه ضربات داخل سوريا ولبنان للحفاظ على ما تبقى من أمن واستقرار في المنطقة، لإن غياب الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط سيوفر فرص لعودة ظهور جماعات مسلحة وارهابية مرة اخرى، علاوة على إنشاء تكتلات واستقطابات تضر بمصالح بلدان المنطقة وتورطها في صراعات وأزمات.

وهنا يجب الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، وهى أن الحكومة الإسرائيلية اليمنية المتطرفة تسعى إلى توسيع نطاق المواجهة الإقليمية، لعدة أسباب، الأول هو إبعاد الأنظار عن الحرب في قطاع غزة عقب محاصرة موقفها وانحسار دعم شركائها وإدانتها بارتكاب جرائم ترقى للإبادة الجماعية، بل ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيرش، ما يحدث في غزة بأنه انتهاك واضح للقانون الدولي الإنساني.

لذلك فإن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تعمل على جذب الأنظار بعيداً عن الوضع في غزة، من خلال المناوشة مع إيران تارة ومع حزب الله تارة أخرى، على أمل كسب بعض الود الدولى، كما حدث اليوم من إعلان كثير من الدول الغربية وقوفها بجانب تل أبيب ضد الهجمات الإيرانية.

ولا يخفى علينا أن هذه المناوشات جاءت في وقت تنشط فيه التحركات الدبلوماسية المهمة في الأمم المتحدة لصالح فلسطين، حيث يعتزم مجلس الأمن بحث قرار منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة، وهو أمر لا تريده تل أبيب، لذلك فإنها تبذل جهود مضاعفة لأبعاد الأنظار عن هذه التحركات.

كل هذه الأمور تعيدنا مرة أخرى إلى أهمية الحديث عن ضرورة العمل على إنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والتوصل إلى هدنة مؤقتة تصل إلى اتفاق سلام، يقضى بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، باعتبار أن هذا هو الخيار الوحيد القادر على وقف اى تصعيد في المنطقة.

 

أخبار ذات صلة

0 تعليق