المدن والمساحات الخضراء
«ريسيرش جيت»
أدى التوسع الحضري إلى انتشار الغابات الخرسانية، حيث تهيمن المباني والطرق والبنية الأساسية على المشهد الطبيعي. ونتيجة لهذا، غالباً ما تكون المدن أكثر دفئاً بشكل ملحوظ من المناطق الريفية المحيطة بها، وهي الظاهرة المعروفة باسم تأثير جزيرة الحرارة الحضرية، ومع ذلك، ألقت الدراسات الحديثة التي استخدمت بيانات الأقمار الصناعية لوكالة ناسا الضوء على الدور الحاسم الذي تلعبه المساحات الخضراء في تخفيف هذه الحرارة وتبريد البيئات الحضرية.
إن ظاهرة جزيرة الحرارة الحضرية هي ظاهرة موثقة جيداً حيث تشهد المناطق الحضرية درجات حرارة أعلى مقارنة بنظيراتها الريفية. ويرجع هذا في المقام الأول إلى التركيز العالي للمواد الماصة للحرارة مثل الخرسانة والإسفلت في المدن، فضلاً عن نقص الغطاء النباتي الذي يوفر الظل والتبريد التبخيري.
خلال النهار، تمتص هذه الأسطح الحرارة وتحتفظ بها، ما يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الحضرية. وفي الليل، يتم إطلاق الحرارة المخزنة ببطء، ما يمنع المناطق الحضرية من التبريد بقدر المناطق الريفية. وتؤدي هذه الدورة المستمرة إلى تفاقم تأثير جزيرة الحرارة، ما يجعل المدن غير مريحة وخطرة أثناء موجات الحر.
تلعب المساحات الخضراء، مثل المتنزهات والحدائق والغابات الحضرية، دوراً حاسماً في مواجهة تأثير جزيرة الحرارة الحضرية. تتميز هذه المناطق بالنباتات التي توفر الظل وتمتص ثاني أكسيد الكربون وتطلق الأكسجين من خلال التمثيل الضوئي. بالإضافة إلى ذلك، تطلق النباتات بخار الماء من خلال النتح، ما له تأثير تبريدي على البيئة المحيطة.
كانت بيانات أقمار ناسا الصناعية مفيدة في تحديد تأثير المساحات الخضراء على درجات الحرارة في المناطق الحضرية. من خلال تحليل صور الأشعة تحت الحمراء الحرارية التي تلتقطها الأقمار الصناعية، يمكن للباحثين تحديد المناطق ذات درجات الحرارة الأعلى (النقاط الساخنة) وربطها بتوزيع المساحات الخضراء. وقد أظهرت هذه الدراسات باستمرار أن الأحياء ذات الغطاء النباتي الأكثر تميل إلى أن تكون أكثر برودة من تلك التي تحتوي على خضرة أقل.
إن دمج البنية الأساسية الخضراء في التخطيط الحضري يوفر فوائد لا حصر لها تتجاوز تبريد المدينة. فالمساحات الخضراء تعمل على تحسين جودة الهواء من خلال امتصاص الملوثات وإطلاق الأكسجين، وهو ما قد يعود بفوائد صحية كبيرة على السكان. بالإضافة إلى ذلك، توفر المتنزهات والحدائق فرصًا ترفيهية، وتعزز التنوع البيولوجي، وتعزز الجاذبية الجمالية الشاملة للمدينة.