كامالا هاريس وإفريقيا.. آمال طموحة وتحديات هائلة
د. أيمن سمير
تعتز المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية كامالا هاريس بأنها سيدة «سمراء» رغم أن جذور أمها تعود للهند، وجاء أبوها من جامايكا إلى الولايات المتحدة، ولهذا تأمل إفريقيا «القارة الشابة» فوز كامالا هاريس في انتخابات 5 نوفمبر المقبل لتكون أول رئيسة سمراء للولايات المتحدة بعد السعادة الغامرة التي طغت على إفريقيا عقب فوز الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في انتخابات نوفمبر 2007.
ولا يتعلق تلهف الأفارقة لفوز كامالا هاريس بسبب لون بشرتها فقط أو بحياتها عندما كانت طفلة في إفريقيا مع جدتها لأمها، بل لأن نائبة الرئيس الأمريكي تحمل بين أوراقها ملفات كثيرة لصالح إفريقيا لو نجحت في الجلوس بالمكتب البيضاوي في 20 يناير القادم.
ضمن هذه الرؤية التي عملت عليها هاريس مع الرئيس جو بايدن هو تعزيز «الصوت الإفريقي» في المحافل الإقليمية والدولية حيث أيدت إدارة «بايدن – هاريس» منح إفريقيا مقعداً في مجموعة دول العشرين، وعبرت هاريس أكثر من مرة عن دعمها منح إفريقيا مقعدين دائمين في مجلس الأمن الدولي، وضرورة تعزيز العلاقة الأمريكية مع القارة الشابة، وعبرت أكثر من مرة عن رغبتها في مساعدة الأفارقة على تجاوز مشكلاتهم عبر الشراكة الأمريكية الكاملة في مجالات الاستثمار ومكافحة التغيرات المناخية، والتنمية الاقتصادية، والأمن الغذائي، وتخفيف الديون وتعزيز الديمقراطية، والصناعات الإبداعية، والتمكين الاقتصادي للمرأة عبر تعزيز حضورها في المسارات الاقتصادية الإفريقية خاصة في القطاع الخاص، والمساعدة في سد الفجوة الرقمية بين الجنسين، وكل ذلك بهدف مواصلة تعزيز رؤية مشتركة لمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا
ورغم الأماني الإيجابية من الأفارقة تجاه هاريس إلا أن خبرات الأفارقة تقول أيضاً إنه لا يوجد اختلاف كبير بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، فكلا الحزبين أدار ظهره لإفريقيا رغم محاولات «التودد» التي قام بها الرئيس الحالي جو بايدن، الذي لم يزر إفريقيا مثل غريمه الجمهوري دونالد ترامب، وكان هذا واضحاً في تراجع عدد القوات الأمريكية في إفريقيا من 5000 جندي مع بداية عهد ترامب عام 2017 إلى نحو 1300 جندي عام 2021، واستمر الانخفاض في عدد القواعد العسكرية والجنود الأمريكيين خلال حكم بايدن، التي كان آخرها انسحاب نحو 1100 جندي من النيجر في أغسطس الماضي، وهو ما أعطى فرصة لروسيا والصين لتعزيز حضورهما السياسي والاقتصادي والأمني في القارة الشابة التي سوف تكون الأسرع نمواً في عدد السكان خلال العقدين القادمين حيث سيعيش واحد من كل 4 في إفريقيا بحلول عام 2050، كما أن هناك مكاسب خاصة لهاريس عندما تهتم بإفريقيا تأتي من جانب الناخبين من أصول إفريقية، الذين يشكلون نحو 13% من الناخبين، وكل المؤشرات تقول إن هاريس سوف تحصل على أصوات أقل من السود مقارنة بما حصل عليه الرئيس جو بايدن في انتخابات نوفمبر 2020 نظراً لتراجع نسبة الدعم لهاريس وسط الرجال السود..، فما هي أوراق هاريس الإفريقية؟ وهل يمكن أن تتفوق على نفوذ دول عملاقة مثل الصين وروسيا التي ينظر إليها الأفارقة بإيجابية أكثر من نظرتهم للولايات المتحدة؟ وكيف سيختلف أداء هاريس عن بايدن حال فوزها يوم الثلاثاء المقبل؟
استدارة نحو إفريقيا
قبل عام 2022 لم يسجل أن هناك اهتماماً استثنائياً من الإدارات الأمريكية المعاقبة بإفريقيا، لكن بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وعدم قدرة واشنطن على حشد الأفارقة حول الرؤية الأوكرانية في المحافل الإقليمية والدولية بدأت الولايات المتحدة تراجع سياستها تجاه القارة الشابة.
ومن يدقق في برنامج كامالا هاريس الانتخابي يرى أنه يركز على سلسلة من الخطوات والاستراتيجيات هي:
أولاً: «الأوكار القذرة» ومستقبل العالم
كثيراً ما كان حديث المرشح الجمهوري دونالد ترامب يدور فقط حول ما تمثله إفريقيا من تحديات ومشاكل وحاجتها للمساعدة والدعم من الولايات المتحدة، ووصل به الأمر أن وصف إفريقيا بأنها مليئة ب «الأوكار القذرة»، وعلى العكس من ذلك صورت هاريس إفريقيا أثناء جولتها الوحيدة فيها في مارس 2023 بأنها «مستقبل العالم» نظراً لما تتمتع به القارة من موارد ضخمة، وعدد هائل من الشباب سوف يدخلون سوق العمل، كما أن الديمقراطيين بزعامة هاريس تحدثوا كثيراً عن «الفرص» التي تتمتع بها إفريقيا خاصة الثروات والمعادن الاستراتيجية التي تجعلها ضمن أفضل القارات التي تشكل مستقبل العالم حيث تضم أراضي القارة كميات كبيرة من نحو 17 معدناً ضمن أهم 50 معدناً نادراً في العالم، وليس هذا فقط، فإفريقيا من وجهة نظر هاريس تملك مقومات اقتصادية عملاقة تؤكد أنها فرصة، وليست تحدياً أو عبئاً، حيث يقع 50% من الأراضي الصالحة للزراعة على مستوى العالم في القارة الشابة، وبلغ عدد سكانها في نوفمبر 2022 نحو 1.421 مليار نسمة بما يعادل نحو 17.8% من سكان العالم، ويشكل شباب القارة تحت سن 25 ما يصل الى 65% من سكانها، بما يحولها بسرعة إلى سوق مستقبلية واعدة لسوق العمل، ولهذا تعهدت هاريس بزيادة المساعدات الأمريكية لإفريقيا، التي تبلغ في الوقت الحالي 13 مليار دولار سنوياً، في حين بلغ الاستثمار الأمريكي المباشر في إفريقيا 43.2 مليار دولار، وهناك إعلان كبير من هاريس يتعلق بأنها سوف تساعد إفريقيا في تحقيق جميع أهداف رؤية 2063 التي رسمها الاتحاد الإفريقي
ثانياً: كتلة استراتيجية في صراع جيو-سياسي
كانت النظرة الأمريكية السابقة تجاه إفريقيا من منظور أمني فقط، حيث كانت الحسابات الأمريكية السابقة تقول إن إفريقيا تعاني من الإرهاب والانفلات الأمني، لكن بعد رفض كثير من الدول الإفريقية الانضمام للعقوبات الأمريكية والغربية على روسيا عقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بدأت واشنطن في بناء «استدارة أمريكية» تجاه إفريقيا بعد أن تأكد لها أهمية «الكتلة التصويته» لإفريقيا التي لها 54 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، و3 دول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن، لهذا لعبت هاريس دوراً كبيراً في التحضير للقمة الأمريكية الإفريقية التي استضافتها واشنطن في 15 ديسمبر 2022، والتي دعا فيها الرئيس جو بايدن 49 من الزعماء الأفارقة، وشكلت الوعود التي قدمتها هاريس وبايدن في هذه القمة «بداية جديدة» في العلاقات الإفريقية الأمريكية حيث أعقبها بنحو 4 شهور جولة هاريس في إفريقيا، وتقديم وعود سخية مثل تعهد الولايات المتحدة بتقديم مساعدات لإفريقيا بنحو 55 مليار دولار حتى نهاية 2025، وبناء طريق للسكك الحديدية يربط لأول مرة المحيط الهندي بالمحيط الأطلسي.
ثالثاً: استراتيجية جديدة جنوب الصحراء
دعمت كامالا هاريس وضع «استراتيجيه جديدة» للدول الإفريقية جنوب الصحراء بهدف تعزيز الأهداف الأمريكية مع هذه الدول، وهي أهداف «جيو- سياسية» في المقام الأول تركز على دول الساحل الغربي الإفريقي، ودول جنوب الصحراء حتى لا تتحول هذه الدول إلى التعاون مع الصين وروسيا، وذلك من خلال «إعادة كتابة» مكان ومكانة إفريقيا في دوائر الأمن القومي الأمريكي حتى عام 2030، وتقوم هذه الاستراتيجية الجديدة على تعزيز أدوار الدول الأوروبية الحليفة للولايات المتحدة في إفريقيا، فعلى سبيل المثال لاحظ فريق هاريس أن الاحتياجات الأمنية لإفريقيا جنوب الصحراء والقضايا المناخية والشبابية ذات أولويات كبيرة لهذه الدول، لذلك قدمت بريطانيا – أقرب حليف للولايات المتحدة – خطة يمكن من خلالها أن تقدم لندن دعماً أمنياً وعسكرياً للأفارقة جنوب الصحراء لكن بشرط أن لا يتعاونوا في نفس المجال مع روسيا والصين
رابعاً: تعزيز قانون «أغوا»
يمنح «قانون أغوا» الذي تم إطلاقه في عام 2000، للصادرات من البلدان الإفريقية المؤهلة إمكانية الوصول إلى السوق الأمريكية بدون رسوم جمركية، ومن المقرر أن تنتهي صلاحيته في سبتمبر 2025، لكن كامالا هاريس قالت إنها سوف تعمل على تمديد هذا القانون لتعزيز رغبة الدول الإفريقية في الالتزام بالمعايير الإنسانية والسياسية التي يشترطها هذا القانون، ولدفع العلاقات التجارية الأمريكية الإفريقية إلى مستويات جديدة وعدت هاريس خلال كلمتها في القمة الأمريكية الإفريقية نهاية عام 2022 بأنها سوف تعمل على تمديد هذا القانون ل 10 سنوات إضافية، وتتمتع حالياً 32 دولة فقط من أصل 54 دولة إفريقية بالحقوق التي ينص عليها هذا القانون.
خامساً: كبح النفوذ الصيني في القارة السمراء
التصدي للصين في إفريقيا هي الهدف الاستراتيجي وراء كل الخطوات التي تتحدث عنها هاريس، لأن قسماً كبيراً من الدول الإفريقية لم يعد يتقاسم نفس المصالح والأفكار مع الولايات المتحدة، لأن الأفارقة وجدوا البديل في الصين التي أصبحت الشريك التجاري الأول لإفريقيا منذ عام 2019، ووصل حجم التجارة بين الصين وإفريقيا إلى نحو 167 مليار دولار في النصف الأول من العام الجاري، وفي عام 2021 وصلت التجارة بين إفريقيا والصين إلى 254.3 مليار دولار، وفي عام 2022 وصلت ألى 282 مليار دولار، خلال نفس العام بلغ حجم الصادرات الإفريقية إلى الصين نحو 117.5 مليار، وبدأ الحضور الصيني القوي في إفريقيا مع تولي الرئيس الصيني شي جين بينج، والإعلان عن رؤيته للحزام والطريق عام 2013، ولهذا وصلت الاستثمارات الصينية في إفريقيا لنحو 44 مليار دولار بينما ديون الدول الإفريقية للصين لا تزيد على 12% من إجمالي الديون الإفريقية التي وصلت لأكثر من 696 مليار دولار في نهاية 2023، وتقوم استراتيجية كامالا هاريس في مواجهة الصين على تعزيز القطاع الخاص الإفريقي، وربطه بالاقتصاد الأمريكي، مع التسويق لما يسميه برنامج الحزب الديمقراطي «القيم الأمريكية» التي تقوم على التعددية السياسية، وحقوق الإنسان، والنظام الاقتصادي الرأسمالي، والهدف الأمريكي هو كسب الدول الإفريقية للجانب الأمريكي والغربي حتى يكون هناك انحياز إفريقي لأمريكا حال اندلاع أي صراع أمريكي صيني في بحر الصين الشرقي أو منطقة الإندو- باسيفك.
سادساً: التصدي للتمدد الروسي
يعود الفضل لروسيا في الضغط «غير المباشر وغير المقصود» على الولايات المتحدة للاهتمام بإفريقيا، فمنذ مارس 2014 عندما سيطرت روسيا على شبه جزيرة القرم بدأت في تعزيز علاقاتها مع إفريقيا سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، لهذا عقدت موسكو القمة الروسية الإفريقية الأولى عام 2019، والقمة الإفريقية الروسية الثانية في يوليو 2023، وحضرها عدد كبير من القادة الأفارقة، كما أن الحكام الجدد الذين وصلوا للحكم عبر انقلابات عسكرية في إفريقيا مثل الجابون وبوركينا فاسو ومالي والنيجر أقرب لروسيا من الولايات المتحدة، وهو ما دفع هاريس لتقديم استراتيجيتها حول إفريقيا، وتأكيدها على أن إفريقيا سوف تظل في بؤرة الحسابات الأمريكية حال فوزها في انتخابات الثلاثاء القادم، لكن هذا لن يكون سهلاً في ظل المكانة الكبيرة التي باتت تحظى بها روسيا في القارة الشابة حيث ارتفعت صادرات روسيا من النفط لإفريقيا بنحو 300% عام 2022، وهو العام الذي بدأت فيه الحرب الروسية، وصوتت 28 دولة إفريقية فقط لصالح مشروعات القرارات الأمريكية التي طرحتها واشنطن في مجلس الأمن ضد روسيا، وهو ما دفع هاريس للتحرك بسرعة وزيارة إفريقيا في مارس 2023
أكدت تقارير واستطلاعات كثيرة أن هناك «كيمياء مشتركة» بين عدد من الدول الإفريقية مع المرشحة الديمقراطية للانتخابات الأمريكية، وهو ما قد يبشر بخطوات جديدة نحو تعزيز العلاقات الأمريكية الإفريقية حال فوز كامالا هاريس، لكن في حال فوز دونالد ترامب لن تراوح العلاقات الأمريكية مع إفريقيا مكانها الحالي.. أو ربما يحمل المستقبل ما لا نعلم.