الخليج 54 عاماً من العطاء والشموخ
إعداد- جيهان شعيب:
منذ 54 عاماً، وتحديداً في 19 أكتوبر عام 1970، صدر العدد الأول من صحيفة «الخليج»، التي أسسها الشقيقان، المغفور لهما، تريم عمران تريم، والدكتور عبد الله عمران تريم، رحمهما الله، ومنذ يومها الأول كانت صوتاً للحقيقة، ومنبراً للصدقية، والكلمة المتوازنة، ورمزاً واقعياً للصحافة الملتزمة القيم والأخلاقيات.
ولا تزال «الخليج» تواصل مسيرتها المهنية الإعلامية العريقة، بأخبار غير مسبوقة، وتحليلات موضوعية، ونقاشات حيادية، لقضايا متنوعة، فضلاً عن المتابعات الشاملة لأحداث سياسية، واقتصادية واجتماعية، فأضحت منبراً إعلامياً خليجياً راسخاً في الدولة، والمنطقة.
حلم انتصر بالإرادة
وقصة تأسيس «الخليج» لا تنحصر في كونها كانت حلماً قصياً، مملوءاً بالعثرات أمام الشقيقين، انتصرا عليها بإرادتهما، وإصرارهما، فأخرجا للواقع واجهة إعلامية بارزة، وليست قصتها في مجرد تاريخ تأسيس نستذكره سنوياً، فنحتفي بها، وإنما هي حكاية ملأى بالإبداع والعطاء، عايشت فيها الصحيفة ولادة دولة الإمارات العربية المتحدة، وقيام الاتحاد على يد المؤسسين المغفور لهما، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، وإخوانهما.
وعراقة الصحيفة بمؤسسيها تتركز في تعزيزهما الأهداف التي كان ينشدها الاتحاد، ومواكبتهما الخطوات التي مرّ بها، حتى جاءت الإمارات الشامخة، دولة تباري القمة في علوها، ولا تنافس سوى نفسها في التحضر، والتقدم، والابتكار.
قهرا المستحيل
وبالقراءة في صفحات التاريخ، لتذكر البداية في قصة تأسيس «الخليج»، والجهود التي بذلها الشقيقان، وطموحهما الذي قهر المستحيل أمام ترجمة حلمهما إلى واقع، نجد أنه في عام 1968، كان تريم عمران مع شقيقه د. عبد الله، ضمن الوفد الرسمي لإمارة الشارقة في المفاوضات التي سبقت قيام الاتحاد، وفكّرا في العمل الصحفي، حيث رأيا أهمية الكلمة الحرة في نقل تفاصل الأحداث وقتذاك، ودورها في تنوير المجتمع، ونقل نبض مواطنيه، والتعبير عن الأحلام، والآمال، والمطالب.
الوضع السياسي
وحينذاك قال تريم عمران: «كان الوضع السياسي حينذاك مقلقاً جداً، وينذر بمخاطر جمة، وصعوبات ستواجهها الإمارات، إذا استمر وضعها السياسي المتصف بالتجزئة والتفتت، الإنجليز قرروا الانسحاب، والمنطقة مجزأة، وليس هناك أي كيان سياسي واحد يستطيع التعامل مع احتمالات المستقبل، بينما شاه إيران لديه مطامع أعلنها، فكانت الدعوة إلى إقامة كيان قادر على مواجهة التحديات، والعمل على تحقيق وحدة المنطقة، كانت الأخطار كبيرة، والعمل المنظم شبه معدوم في منطقة تزداد أهميتها الاستراتيجية، بعد تدفق النفط في أراضيها.»
مشروع وحدوي
ومع الوقت، فكّر الشقيقان في إصدار أول صحيفة سياسية، متوازنة الفكر، تهدف رسالتها الإعلامية إلى قيام مشروع وحدوي في الخليج بعمق عربي، وانتماء قومي، وترسيخ الهوية الحضارية العربية والإسلامية، والتأكيد المستمر للذاتية الثقافية العربية، وطرح أفكار للنهوض والتنوير والمعرفة والحريات العامة، ومناصرة الحق في كل مكان، فيما لم يكن الأمر سهلاً، ولا الطريق ممهداً لحلمهما، وبالفعل أصدرا مجلة سياسية شهرية، هي «الشروق»، ثم اتجها إلى التفكير في إصدار صحيفة.
السعي الحثيث
وهنا أعاقهما عجزهما المادي عن تحمل نفقات إصدار مثل هذه الجريدة التي يفكران فيها، فضلاً عن عدم وجود مطابع مؤهلة في الإمارات، مع عدم قدرتهما على تحمل أي خسائر مادية، أو كُلفة إصدار مثل هذه الجريدة المطبوعة، ومع ذلك لم يتراجعا عن السعي الحثيث لتحقيق حلمهما، فتوجها إلى دولة الكويت الشقيقة، واختارا الناشر فجحان هلال المطيري، الذي كان يصدر مع زوجته غنيمة فهد المرزوق، مجلة أسرية باسم «أسرتي»، وكانا يمتلكان مطبعة حديثة.
ووافق المطيري، على طباعة مجلة «الشروق»، وصحيفة «الخليج» لاحقاً، وتحت الحساب، تكريماً للشقيقين، لكونهما يماثلانه فكراً، ومبادئ، فيما أتاح لهما استغلال العناصر «الطبوغرافية» المتوافرة في مطبعته لإبراز المادة التحريرية، وإخراجها على النحو الذي رسم للمطبوعتين، شخصية مميزة، وكان تريم عمران يحمل في الأسبوع الأخير شهرياً، المادة الصحفية التي تكتب في الشارقة، إلى الكويت، ويعود بها مطبوعة.
حروب مهنية
ولم تستقبل «الخليج» بالورد، أو تقابل بالترحيب، وإنما خاضت منذ يوم صدورها الأول، حروباً مهنية وسياسية، فضلاً عن شعور أصحاب الصحف في الكويت بذلك «الوافد» والمنافس الجريء الذي رأوا فيه دخيلاً، فطالبوا الحكومة الكويتية، بوقف إصداره في بلادهم، ولم ينجحوا، وواصلت «الخليج» الصدور، من دون تراجع عن التزامها مبادئ الصحافة الحرة، ومواكبة تطورات الوقت.
وكانت «الخليج» حريصة على تشكيل الوعي الاجتماعي، والسياسي، والثقافي في المنطقة، لكن وفي 29 فبراير 1972، قرر الشقيقان إيقاف الصحيفة عن الصدور، بعدما كلفهما المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، مهام في خدمة دولة الاتحاد، وبالفعل توقفت عن الصدور.
وشارك الشقيقان تريم وعبد الله، في المفاوضات التي واكبت قيام الدولة، وشاركا بوطنية حقة، وجهود مخلصة، وأمانة تامة، في تأسيس الاتحاد، عبر عملهما في المؤسسات والوزارات الاتحادية.
وانشغل الشقيقان بمهام كبرى، حيث تولى المغفور له تريم عمران منصب أول سفير لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى جمهورية مصر العربية، إبان قيام الدولة عام 1972. وفي عام 1976 كان رئيساً لوفد الإمارات في الجامعة العربية.
أما الراحل عبد الله عمران فقد عين وزيراً للعدل في أول حكومة اتحادية خلال الفترة 1971-1972 ثم وزيراً للتربية والتعليم خلال الفترة 1972-1979.
استئناف الصدور
وعقب عشر سنوات، وفي 5 إبريل عام 1980، استأنفت «الخليج» نشاطها، حين تفرغ المغفور لهما تريم وعبد الله عمران، لقيادتها على التوالي بمجلس إدارتها، الذي تولاه أولاً الراحل تريم، ثم الراحل الدكتور عبد الله عمران. ومع السنوات قفزت صحيفة «الخليج»، من 8 صفحات اشتمل عليها عددها الأول إلى العدد حالياً، فضلاً عن كثير من الملاحق المصاحبة لها، إلى جانب إصدارها صحيفة «غلف توداي» اليومية، بالإنجليزية، ودخولها عالم الصحافة الرقمية، بحضور إلكتروني مميز وباهر.
مركز الدراسات
لم ينقطع تفكير الشقيقين تريم، وعبد الله، عن النهوض بالصحيفة الغرّاء، لتصبح مؤسسة إعلامية شاملة، ولذلك في منتصف 1980 تأسس «مركز الخليج للدراسات» في إطار مؤسسة «دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر»، وتطور من قسم صغير إلى وحدة متخصصة عام 1999. وفي عام 2004 جرى تطويرها إلى مركز للدراسات، يُعنى بإصدار الكتب، والبحوث والتقارير، وينظم الندوات العلمية، والثقافية الفكرية المتخصصة، إلى جانب تنظيم الندوات والمؤتمرات المتخصصة، وإصدار الكتب المهمة.
التوزيع والإعلان
تأسست إدارة التوزيع في «الخليج» عام 1980، وتهدف إلى الإسهام في نشر المعرفة، عبر إيصال الصحيفة إلى أكبر عدد من القرّاء في أسرع وقت. وتعدّ إدارة التوزيع من الإدارات السباقة إلى إدخال مهنة توزيع الصحف والمجلات في دولة الإمارات.
أما إدارة الإعلان والتسويق، فتعد أحد أبرز الأعمدة الأساسية في هيكلية العمل ضمن دار «الخليج»، وتشكل رافداً حيوياً لنشاطها، وتنظر إليها الدار، على أنها نافذة حيوية تقوي لحمة تواصلها مع مختلف الجهات.
مركز المعلومات
مركز المعلومات أحد أهم أركان العملية التحريرية، لتعامله مع الأقسام المختلفة المسؤولة عن إصدارات مطبوعات «الخليج»، فضلاً عن ذلك يعدّ أحد أقدم الأقسام في الإمارات، حيث ارتبط تأسيسه بتاريخ إطلاق الجريدة.
الإعلام الرقمي
يعدّ موقع جريدة «الخليج» على «الإنترنت»، ومواقع التواصل من أهم المواقع الإخبارية في المنطقة، ببنية تحتية قوية، لمواكبة الأعداد المتزايدة لزوّار الموقع والمتصفحين اليوميين.