أخبار العالم

10 معادلات جديدة لسياسة ترامب الخارجية

د. أيمن سمير
أن الرئيس السابق، والمرشح الجمهوري للانتخابات الأمريكية دونالد ترامب، سبق له أن حكم الولايات المتحدة 4 سنوات كاملة، وتبدو من الوهلة الأولى أن سياسته الخارجية معروفة وسبق تجربتها، إلا أن المتغيرات الجيوسياسية التي لحقت بمختلف أقاليم العالم منذ ترك البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2021 دفعت الرئيس السابق والجمهوريين لإعادة حساباتهم في عدد من القضايا الخارجية منها التشدد في بعض الملفات، وأيضاً ابتداع أفكار واستراتيجيات جديدة يراها دونالد ترامب، والمرشح معه لمنصب النائب جي دي فانس، ضرورية لتعزيز «مكان ومكانة» الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وهو الأمر الذي يتسق مع شعار حملة الجمهوريين «لنجعل أمريكا عظيمة».
رغم عدم اتفاق الجمهوريين قبل وصولهم للبيت الأبيض في 5 نوفمبر القادم على تنفيذ «كل الأجندة الخارجية» التي يطرحها دونالد ترامب في جولاته الانتخابية، إلا أن تاريخ الرئيس الجمهوري يقول إنه أوفى ونفذ غالبية وعوده المتعلقة بالسياسة الخارجية، إلا أن هذه الحقيقة تدفع الجميع للنظر بجدية كاملة لكل كلمة يقولها دونالد ترامب عن سياسته الخارجية، وباعتراف خصومه قبل أنصاره فإن دونالد ترامب طبق بالفعل أكثر من 90% من أجندته الخارجية خلال ولايته الأولى، وهي أجندة تتنوع بين القضايا السياسية والعسكرية والتجارية.

الصورة

فما هي أبرز 10 قضايا سوف تحتل الصدارة في سياسة ترامب الخارجية؟ وكيف يمكن أن يكون رد فعل العالم على تلك السياسات؟ وهل بالفعل سيحل السلام والاستقرار وتنتهي الحروب كما وعد المرشح الجمهوري؟
الانعطاف الاستراتيجي
هناك مبادئ عامة تحكم السياسة الخارجية للمرشح الجمهوري، منها أنه يرفض الدخول في حروب عسكرية، ويركز على الاقتصاد والمكاسب التجارية، ولهذا يكرر دائماً أنه قادر خلال 24 ساعة على وقف الحرب الروسية الأوكرانية، والحروب المتفاقمة في الشرق الأوسط. وسبق لترامب بالفعل منع وقوع أي حرب خلال سنوات ولايته الأولى التي ركز فيها بشكل خاص على القضايا الأمنية، والقضاء على الجماعات الإرهابية في الخارج، ودعم أمن الحدود، والتشدد في شروط ومتطلبات الهجرة، وتعزيز عدد وفاعلية القوات المسلحة، وكل ذلك عبر تطبيق سياسة «أمريكا أولاً» في التجارة، والدبلوماسية التي قادت للحوار والتفاوض حتى مع خصوم أمريكا السابقين مثل زعيم كوريا الشمالية.
لكن هناك أمراً آخر يقف وراء المتغيرات الهائلة في السياسة الخارجية الأمريكية يتعلق بوصول العالم إلى «انعطافة استراتيجية» تقتضي تغييراً حتمياً وضرورياً في الأجندة الخارجية لواشنطن حتى تتناسب مع واقع بيئة العلاقات الدولية الحالية، فالعالم الذي تشكل بعد نهاية الحرب الباردة، والاتحاد السوفييتي السابق لم يعد قائماً، لأن روسيا والصين والبرازيل والهند باتت قوى عالمية جديدة تؤثر بقوة في مسار التفاعلات السياسية والاقتصادية والأمنية العالمية، وهو تحد يرى الجمهوريون أن على الرئيس القادم الاستجابة له بشكل يحفظ بقاء الهيمنة الأمريكية على العالم.
فمنذ وصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى السلطة في 1999 والرئيس الصيني شي جين بينغ في 2013 تغيرت حسابات واشنطن بالكامل تجاه موسكو وبكين، حيث تخشى الولايات المتحدة من نجاح الصين وروسيا في تغير المعادلة من «نظام القطب الواحد» إلى«النظام متعدد الأقطاب»، كما أن أداء الاقتصاد الأمريكي خلال العقدين الماضيين شابه التراجع الكبير أمام معدلات النمو العملاقة التي رافقت الصين والهند والبرازيل.
ومن يراجع البرنامج الانتخابي لترامب وتصريحاته خلال الحملة الانتخابية، يتأكد أن هناك 10 ملفات رئيسية سوف تدور حولها أجندته الخارجية حال فوزه في انتخابات 5 نوفمبر القادم، وهذا الملفات هي:
أولاً: «القبة الحديدية» الأمريكية
يتبنى المرشح الجمهوري مشروعاً كبيراً أطلق عليه «القبة الحديدية» للولايات المتحدة الأمريكية، والهدف منه بناء نظام دفاعي متعدد الطبقات يشبه منظومة الدفاع الجوية الإسرائيلية والتي أحد طبقاتها «القبة الحديدية». فمعروف أن إسرائيل تتصدى للصواريخ القريبة المدى بمنظومة «القبة الحديدية»، والصواريخ متوسطة المدى عن طريق «مقلاع داود»، والصواريخ بعيدة المدى بمنظومات الدفاع بعيدة المدى «أرو».
وكان حلم الرئيس الأسبق دونالد ريغان بناء هذه «القبة الدفاعية» عام 1983.ووفق البند الثامن من أجندة الحزب الجمهوري التي تتألف من 20 بنداً فإنه من أجل منع نشوب حرب عالمية ثالثة، ووقف الحرب الروسية الأوكرانية، وتوصيل رسالة قوية للأعداء والأصدقاء لا بد للولايات المتحدة أن يكون لديها «القبة الحديدية» التي تحمي حدودها البرية والبحرية والجوية. ويعتقد المرشح الجمهوري أن عدم توافر التكنولوجيا في ثمانينات القرن الماضي هو ما خيب وقتها أمل الرئيس ريغان في بناء «القبة الحديدية»، لكن وجود التكنولوجيا الحديثة سوف يساعده ليس فقط في تحقيق هذا الحلم، بل خفض كلفة هذا المشروع إلى نحو 150 مليار دولار فقط، بينما كان مخصصاً لها نحو 450 مليار دولار في عهد الرئيس ريغان، ويحتاج ترامب لأغلبية واضحة في مجلس الشيوخ لتنفيذ «القبة الحديدية» حيث يتهم الديمقراطيون دونالد ترامب بعدم دراسة هذه الفكرة جيداً، ويقولون أن مثل هذه«القبة» تحتاج إلى نحو 24700 بطارية صاروخية، وكلفتها تصل لنحو 2.4 تريليون دولار.
ثانياً: تعظيم دور الأسلحة النووية
تقوم استراتيجية دونالد ترامب تجاه الأعداء والمنافسين وحتى الأصدقاء والحلفاء على «القوة»، ويعتقد أنه كلما كانت أمريكا قوية، فإن الطريق نحو الدبلوماسية ومنع الحروب سوف يكون سهلاً، ولهذا يردد دائماً «أن العالم لا يخشى أمريكا»، وأن السبب الرئيسي – من وجهة نظره في اندلاع كل هذه الحروب – هو ضعف أمريكا وقيادتها، ولهذا يراهن ترامب على استعادة وتعزيز أحد أهم مفاهيم القوة الأمريكية، وهي«الأسلحة النووية». 
وفي سنوات ترامب الأربع التي قضاها في البيت الأبيض خصص 100 مليار دولار سنوياً لتطوير الأسلحة النووية، وحال عودته سوف يسعى إلى تطوير وتحديث نحو 3800 سلاح نووي بحيث يجري تحويله من سلاح قديم من زمن الحرب الباردة إلى أسلحة نووية «تكتيكية» يمكن استخدامها حال قامت أي دولة في النادي النووي بمهاجمة أمريكا أو حلفائها بسلاح نووي، ويحظى هذا الأمر باهتمام خاص لدى ترامب. ففي جميع خطاباته يؤكد أن الأولوية الأولى له هي تحديث السلاح النووي الأمريكي لردع الأعداء والمنافسين، وتثبيت ثقة الأصدقاء والحلفاء في الشريك الأمريكي.
ثالثاً: أوكرانيا والتفاوض مع روسيا
لا يخفي ترامب قدرته على الحوار والتفاوض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ عقدا قمة ناجحة في هلسنكي في 16 يوليو 2018، ولدى ترامب خطة لوقف الحرب الروسية الأوكرانية كشفها المرشح معه لمنصب نائب الرئيس تقوم على «إنشاء منطقة منزوعة السلاح في الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا» وهي 4 مناطق تشمل لوغانسك ودونيستك وخيرسون وزاباروجيا، وأن يتم الحفاظ على استقلال أوكرانيا مقابل أن تتخلى كييف عن «الانضمام للحلف الناتو»، وأن خط التقسيم الحالي الذي فرضه الميدان العسكري سوف يظل قائماً، وهو ما يعني أن أوكرانيا لن تستعيد وفق هذه الخطة 5 مناطق رئيسية وهي شبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى لوغانسك ودونيستك وخيرسون وزاباروجيا، ولا يعتزم ترامب إرسال مزيد من الأموال لأوكرانيا، وصف رئيسها فولوديمير زيلينسكي بأنه «أمهر رجل تسويق في العالم» لأنه يأتي إلى واشنطن، ويعود بمليارات الدولارات. وتقوم رؤية ترامب على عدم إرسال أي أموال أو أسلحة أخرى إلى أوكرانيا، بل سوف يطلب تعويضات من الدول الأوروبية نظير الأسلحة التي أرسلتها واشنطن لأوكرانيا منذ 24 فبراير 2022.
رابعاً: حلف الناتو
لا ينوى ترامب الانسحاب من حلف شمال الأطلسي «الناتو» كما انسحب في ولايته الأولى من منظمات واتفاقيات دولية مثل «اتفاقية باريس للمناخ» التي انسحب منها في الأول من يونيو 2017، وهي الاتفاقية التي انضمت إليها الولايات المتحدة في أكتوبر 2015، وانسحب من اتفاقية الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» عام 2018، لكنه يريد إعادة النظر في هدف الحلف ومهمته على المدى البعيد، لكن في المدى القريب يسعى إلى أن تنفق باقي الدول ال 31 نفس نسبة إنفاق الولايات المتحدة.

الصورة

ففي ميزانية 2024 الحالية تم تخصيص نحو 886 مليار دولار للشؤون الدفاعية تصل لنسبة 3.7% من الناتج الإجمالي الأمريكي الذي يصل لنحو 27 تريليون دولار، لكن حتى الآن لم تصل نحو 10 دول في حلف «الناتو» إلى إنفاق نحو 2% من ناتجها القومي على الشؤون الدفاعية، وهو هدف قديم للناتو منذ قمة ويلز عام 2014، لكن سياسات ورؤية ترامب تنسجم أكثر مع دول «الجناح الشرقي» لحلف الناتو، أو ما يطلق عليها «مجموعة بودابست» التي تضم 9 دول هي بولندا والمجر والتشيك وسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا وليتوانيا ولاتفيا واستونيا، ولهذا يمكن أن ينقل ترامب بعض القواعد العسكرية الأمريكية من دول غرب ووسط أوروبا الأعضاء في «الناتو» إلى دول في الجناح الشرقي للحلف، كما حاول في ولايته الأولى نقل 9500 جندي أمريكي من ألمانيا إلى بولندا، وذلك لأن بولندا هي أكثر دول«الناتو» التي تنفق أموالاً على الشؤون الدفاعية والتي وصلت لنحو 4% من الناتج القومي البولندي.
خامساً: الصين وتايوان
يتبنى ترامب رؤية جديدة للتعامل مع الصين، تبدأ من الداخل الأمريكي وتقوم على منع الصين من شراء الأصول الأمريكية، وسوف يمنع الشركات الصينية العملاقة من الاستثمار في الأصول الأمريكية، كما سيفرض قيوداً شديدة على الطلاب الصينيين الذين يتهمهم بالتجسس لصالح الحكومة الصينية. ورغم أن ولاية ترامب الأولى شهدت وضع أول «استراتيجية للأمن القومي» في ديسمبر 2017، تتهم الصين وروسيا «بالتنافس الاستراتيجي» مع الولايات المتحدة، إلا أن ترامب ذاهب هذه المرة إلى خطوة جديدة تتعلق بتايوان تقوم على أن الولايات المتحدة لن تدافع عن تايوان إلا في حال دفعت تايوان الأموال للولايات المتحدة، وهو ما يعني أن ترامب لن يلتزم بقانون «الإيجار والاستعارة» الذي أقره الكونغرس في العام الماضي ويسمح للولايات المتحدة بتقديم أسلحة ودعم عسكري لتايوان، ويمكن أن تسدد تايوان ثمن هذه الأسلحة في وقت لاحق، وعلى فترات طويلة جداً تصل لنحو 50 عاماً.
سادساً: التحالفات الآسيوية
لا ينوي ترامب الانسحاب من «التحالفات العسكرية» الجديدة التي أسستها حكومة الرئيس جو بايدن، خاصة تحالف «أوكوس» أو «كواد» الرباعي، لكن دعم ترامب للدول الأعضاء في تلك التكتلات سوف يتوقف على مدى مساهماتها المالية وتقاسمها للأعباء العسكرية في شرق وجنوب شرق آسيا. فالرئيس ترامب كان يقول دائماً كيف للولايات المتحدة أن تدعم دولاً غنية مثل اليابان وكوريا الجنوبية؟ وتفاوض خلال ولايته الأولى مع طوكيو وسيؤول على دفع اليابان وكوريا الجنوبية مبالغ أكبر لاستضافة نحو 50 ألف جندي أمريكي في اليابان، ونحو 28500 جندي آخرين في كوريا الجنوبية
سابعاً: الاتفاقيات الإبراهيمية
يتشوق ترامب للعودة إلى البيت الأبيض من أجل استئناف الاتفاقيات الإبراهيمية التي نجحت في عهدة مقابل فشل بايدن وهاريس في استكمالها أو توسيع دائرتها، ولهذا يتحدث ترامب ليل نهار أنه سوف يواصل توسيع دائرة الاتفاقيات الإبراهيمية بين إسرائيل من جانب والدول العربية والإسلامية من جانب آخر.
ثامناً: ملف الديمقراطية
لا يقتصر مفهوم رفض التدخلات الخارجية لدى ترامب على مفهوم التدخلات العسكرية، فهو لا يريد أيضاً التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى فيما يتعلق بملف الديمقراطية الذي يركز عليه الديمقراطيون وخاصة «الجناح الليبرالي» في الحزب الديمقراطي، ولا يعنيه وصف زعيم هذه الدولة أو تلك بالأوصاف التي يطلقها الديمقراطيون ليل نهار ضد روسيا والصين وكوريا الشمالية وبعض الدول في أمريكا اللاتينية، ولهذا يمكن أن تشهد العلاقات الأمريكية مع كثير من الدول نوعاً من الاستقرار، وفي ولايته الأولى اقتصر الخلاف بين واشنطن وبكين على القضايا التجارية، ونجح ترامب في التوصل لاتفاق تجاري كبير مع الصين في يناير 2020، لكن جائحة كورنا وهزيمة ترامب في انتخابات نوفمبر 2020 عطلت هذا الاتفاق، كما أن رؤية ترامب للسياسة الخارجية حول الشرق الأوسط والمنطقة العربية تختلف عن الديمقراطيين الذين دعموا ما يسمى «بالربيع العربي» عام 2011 وقاد هذا إلى إضعاف وتفكيك العديد من «الدولة الوطنية العربية».

الصورة

تاسعاً: منع المهاجرين
تقوم رؤية ترامب لمنع وتقليص عدد المهاجرين القادمين إلى أمريكا على مجموعة من الأدوات أبرزها عدم حصول الطفل الذي يولد في أمريكا لأبوين غير أمريكيين على الجنسية الأمريكية مباشرة وتلقائياً كما يحدث الآن، وطرد نحو 20 مليون مهاجر غير شرعي على الأراضي الأمريكية، في مقابل منح فرصة للطلاب الأجانب الذين يدرسون في الولايات المتحدة الحصول على الجنسية الأمريكية.
عاشراً: محاربة عصابات أمريكا اللاتينية
يطرح ترامب رؤية جريئة للتعامل مع تجار المخدرات في المكسيك ودول أمريكا اللاتينية تقوم على إرسال قوات مسلحه إلى المكسيك لمحاربة عصابات المخدرات، وفرض رسوم جمركية موسعة على المكسيك، ولهذا قد تشهد ولاية ترامب الجديدة تعاملاً صارماً وعبر الأدوات الخشنة والقوات المسلحة مع أزمة ظلت على الدوام تشكل هاجساً لأمريكا خاصة للولايات الجنوبية التي تعاني بقوة تهريب المخدرات.
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى