أخبار العالم

العملية البرية الإسرائيلية.. تكتيك لتفادي حرب الشوارع أم مقامرة محفوفة بالمخاطر؟

إعداد ـ محمد كمال
رغم الإعلان الرسمي الإسرائيلي عن بدء عملية برية في جنوب لبنان، تحت عنوان «سهام الشمال»، فقد جاء على لسان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي سلسلة تصريحات من بينها أنه لن يتم الذهاب إلى بيروت أو أي مناطق في جنوب لبنان، وهو ما يعني ربما في هذه المرحلة لجوء القوات الإسرائيلية الخاصة لسلسلة غارات متوالية خاطفة، تتفادى من خلالها ما يشبه حرب الشوارع مع مسلحي حزب الله، حتى لا تقع في فخ ما حدث في عمليات الغزو السابقة لجنوب لبنان.
ويبدو أن إسرائيل تحاول الاستفادة من دروس الغزو البري الماضية لجنوب لبنان، لدرجة أنه يُستخدم في إسرائيل تعبير «الوحل اللبناني»، للتذكير بمعاناة القوات الإسرائيلية في كل مرة غزت فيها جنوب لبنان، وهو نفسه التعبير الذي استخدمه وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، والذي قال بالحرف: «لا أحد منا يريد العودة إلى السنوات التي وجدت فيها إسرائيل نفسها غارقة في مستنقع في لبنان».
متحدث الجيش الإسرائيلي في إفادته الأولى بعد الإعلان عن بدء العملية البرية، لم يركز على ما حدث خلال الساعات الأخيرة، بل قال: إن القوات الإسرائيلية تنفذ عمليات في جنوب لبنان منذ أشهر، وكشفت عن أنفاق ومخابئ أسلحة لحزب الله أسفل منازل وعن خطط للجماعة اللبنانية لشن هجمات، على غرار هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ووعد بتقديم أدلة، ثم أكد أن العمليات البرية ستستمر إلى أن يتسنى لعشرات الآلاف من الإسرائيليين النازحين العودة إلى الشمال، كهدف معلن للعمليات الجارية، لكن الهدف العسكري يظل غامضاً نوعاً ما.
ـ التكتيك الإسرائيلي ـ
يشير خبراء عسكريون إلى أن إسرائيل تحاول جعل عملياتها البرية محددة وسريعة قدر الإمكان، تجنباً لأي خسائر كبيرة، وكذلك للحد من الهجمات الصاروخية التي يستهدف بها حزب الله العمق الإسرائيلي وخاصة ضواحي تل أبيب، ما دفع أكثر من مليون إسرائيلي للهروب إلى الملاجئ.
وإذا اختارت إسرائيل الاستيلاء على الأراضي اللبنانية والاحتفاظ بها، فإنها تخاطر بتكرار التاريخ، حيث أنهت إسرائيل احتلالها لجنوب لبنان الذي دام 18 عاماً في عام 2000 بعد سنوات من الهجمات التي شنها حزب الله. كما كانت حرب إسرائيل مع حزب الله التي دامت شهراً في عام 2006 على وشك الكارثة العسكرية عندما قام حزب الله بتعطيل الدبابات الإسرائيلية الغازية وقتل أكثر من 121 جندياً إسرائيلياً.
وفي أول تصريحات لمسؤول كبير في حزب الله منذ مقتل نصر الله الأسبوع الماضي في غارة جوية إسرائيلية واسعة النطاق على الضاحية الجنوبية لبيروت، قال نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم الاثنين: إن مقتل حسن نصرالله وغيره من كبار القادة العسكريين لم يقوض قدرة حزب الله على القتال، وقال: «نحن مستعدون للاشتباك البري».

ـ خطوة حاسمة أم خطأ فادح؟
ومن المتوقع على مدار الأيام المقبلة أن يتضح ما إذا كان التوغل البري يشكل خطوة حاسمة إلى الأمام بالنسبة لإسرائيل أم أنه خطأ فادح في التقدير.
وعلى الرغم من هذا التصعيد الأخير، يبدو أن مقاتلي حزب الله، على الأقل في الوقت الحالي، تجنبوا أي مواجهة مباشرة مع القوات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية، بل ونفى الحزب والجيش اللبناني رصد أي وجود لقوات إسرائيلية على الأراضي اللبنانية.
وعلى الرغم من أن الأسبوعين الأولين من العملية الإسرائيلية ضد حزب الله قد تم إجراؤها بدقة إيقاعية، فإن العملية البرية هي مقامرة ذات طابع مختلف. وخلال حرب لبنان الثانية عام 2006، واجهت إسرائيل مقاومة أشد بكثير ما توقعت من حزب الله، وقد وصل القتال بين الجانبين إلى طريق مسدود دموي، وأذعن إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، للضغوط الدولية ووافق على وقف إطلاق النار، الأمر الذي أثار غضب العديد من القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان.
ومنذ ذلك الصراع، قام حزب الله بتحصين مواقعه في جنوب لبنان، وحفر أنفاقاً عميقة تحت صخور جبال المنطقة، ثم تمكن بشكل مضطرد من تجميع قدرة صاروخية أكبر حجماً وأكثر دقة، وقد قُدرت ترسانة حزب الله من الصواريخ والقذائف الموجهة والطائرات بدون طيار بنحو 150 ألف صاروخ في العام الماضي – أي عشرة أضعاف ما كانت عليه في عام 2006.
وعلى نحو مماثل، أصبح مقاتلو حزب الله أكثر صلابة في القتال ما كانوا عليه قبل 18 عاماً بعد أكثر من عشر سنوات من الخبرة القتالية، حيث تدخلت الجماعة، ومن ناحية أخرى، أمضت إسرائيل أيضاً السنوات الفاصلة في التخطيط لهذه اللحظة ولديها خطة معركة. وكانت هجماتها الأولية أكثر تدميراً بكثير مما كانت عليه في عام 2006.
وبالنسبة لحزب الله، كان إشراك إسرائيل في قتال متلاحم على الأرض يعتبر دائماً بمثابة تسوية، إذ سيتم إضعاف التفوق التكنولوجي لإسرائيل في الجو، في حين سينخرط الحزب في نوع من حرب الشوارع التي برع فيها منذ فترة طويلة في الجبال حيث يوجد في الأنفاق التي يخزن فيها أسلحته الأكثر تطوراً ويبلغ عمقها 85 ياردة. ومع ذلك، لم يكن التنظيم يتوقع القتال في الظروف التي أضعفته إلى هذا الحد.
ـ العمليات الفعلية ـ
وقالت المصادر المطلعة: إن العمليات يمكن أن تستمر لأيام أو أسابيع اعتماداً على التطورات الدبلوماسية ونجاحها في إبعاد حزب الله ووقف الهجمات على شمال إسرائيل التي استمرت خلال العام الماضي حيث تبادل الجانبان إطلاق النار.
ونشر الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، لقطات مصورة لفرقة كوماندوز ترتدي دروعاً واقية وخوذات وحقائب ظهر قبل المعركة، على الرغم من أن مسؤولاً أمنياً قال: إن القوات لم تواجه قتالاً في لبنان، وقال جندي احتياطي من الفرقة 98، وهي جماعة كوماندوز: إنه لم يكن هناك قتال لكن الوحدة رصدت كشافة ودفعتهم إلى الخلف بالمدفعية.
وقال حزب الله: إنه استهدف جنوداً إسرائيليين أثناء تحركهم عبر البساتين على طول الطرف الشرقي من الحدود، وأضاف: إنه أطلق نيران المدفعية على القوات الإسرائيلية داخل إسرائيل على بعد حوالي 30 ميلاً إلى الغرب على طول الخط الأزرق، وهي الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في عام 2000. ومثل هذه الهجمات نموذجية لتبادل إطلاق النار الذي دام عاماً بين الطرفين.
وشنت إسرائيل ليل الثلاثاء ما وصفته بعملية محدودة في عدد من القرى في جنوب لبنان قرب الحدود لمهاجمة أهداف حزب الله وبنيته التحتية، وقال المسؤول الأمني: ​​إن العملية ركزت على القرى الواقعة على طول الحدود مباشرة، وإنه لا توجد فكرة للانتقال إلى بيروت.
ـ التحديات ـ
ومع ذلك، ما يزال الدبلوماسيون يشعرون بالقلق من أن العمليات قد تتحول إلى حرب برية أوسع بين إسرائيل وحزب الله، لكن الحرب البرية في لبنان ستطرح تحديات مختلفة، ففي حين تتمتع غزة بتضاريس مسطحة، حيث تسيطر إسرائيل الآن على حدودها من كل جانب، فإن الطبيعة الجبلية الصخرية في لبنان تتطلب تدريباً مختلفاً، بالإضافة إلى ذلك، تسيطر إسرائيل فقط على الحدود في الجانب الجنوبي.
والتحدي الآخر هو أن جنود الاحتياط الإسرائيليين مرهقون بعد الصراع على جبهات متعددة بما في ذلك غزة والضفة الغربية والحدود مع لبنان، وتتجمع معظم القوات الإسرائيلية الآن في الشمال، متفوقة على العمليات في الضفة الغربية والحرب في غزة، وقام الجيش في سبتمبر/أيلول بإعادة انتشار الفرقة 98 من غزة إلى الحدود اللبنانية واستدعى لواءين مشاة آخرين للاستعداد للقتال، ولدى إسرائيل الآن فرقتان فقط في غزة، بعد أن كانت خمس فرق في ذروة القتال، وقال ضابط عسكري متمركز في القيادة الشمالية لإسرائيل: «لم تتبخر القوات». «لقد تحركوا شمالاً»
وقال جندي احتياط إسرائيلي من الفرقة 98: إن بعض القوات ظلت داخل لبنان يوم الثلاثاء بينما كانت قوات أخرى تدخل وتخرج، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال.
ويخشى المسؤولون في واشنطن والعالم العربي أن يتطور القتال إلى حرب أوسع قد تجذب الولايات المتحدة وإيران أكثر في الصراع، في ما تشعر إدارة جو بايدن أن هجوماً إيرانياً مشابهاً لهجوم أبريل من المحتمل وقوعه والذي كان عبارة عن وابل من الضربات الصاروخية والطائرات بدون طيار وهو ما تصدت له إسرائيل وأمريكا.
ويضيف مراقبون إن الضغط الأمريكي على إسرائيل لجعل العملية محدودة، ربما يهدف إلى عدم نظر المجتمع الدولي إلى إسرائيل على أنها تسعى لضم مزيد من الأراضي اللبنانية، لكن الثابت واقعياً وتاريخياً أن إسرائيل تحاول منذ عام 1978 إلغاء وجود المسلحين في المنطقة ذاتها بجنوب لبنان حتى نهر الليطاني، لكن عندما غزت المنطقة مرة أخرى في عام 1982، استمرت هناك طيلة 18 عاماً حتى عام 2000 بعد صراع طويل ودموي، قال بعدها حزب الله: إنه أجبر إسرائيل على الخروج، ثم جاء توغل عام 2006 والذي استمر قرابة شهر قبل خروج القوات الإسرائيلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى