«أمسكت بأحفادي وركضت».. روايات مؤلمة عن لحظات «الهروب والفزع» في لبنان
«الخليج» – متابعات
«لا أريد البكاء، لم يعد هناك ما أبكي عليه، لقد فقدنا كل شيء» بصوت مبحوح وعينين مملوءتين بالدموع ووجه تظهر مشاعر الأسى جلية على جبينه ، قالت جدة لبنانية من الجنوب هذه الكلمات بعد نجاتها وعائلتها التي تشمل حفيدين معاقين من ضربة إسرائيلية كبيرة استهدفت منزل مجاور لمنزلهم.
وفي لبنان وبين ليلة وضحاها شهدت الشوارع المؤدية إلى بيروت ومدن أخرى عدداً هائلاً من النازحين القادمين من الجنوب الذي يتعرض لقصف إسرائيلي كثيف، وبلا هوادة منذ زيادة حدة التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في أعقاب غارة تسبب في مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
ونقلت شبكة «سي إن إن» الأمريكية بعض شهادات هؤلاء النازحين وعائلاتهم الذين يفترشون الأرض في فناء إحدى المدارس اللبنانية، والذين بلغ عددهم 2000 شخص.
وتقول الجدة اللبنانية أم أحمد، إن مبنى بجوار منزلها تعرض لضربة جوية إسرائيلية شديدة ونجت هي وعائلتها «بأعجوبة»، موضحة: «لا أعرف كيف هربنا، أمسكت بأحفادي وركضت، كان جزء من منزلنا مشتعلاً».
وتقول أم أحمد وهي تحاول السيطرة على دموعها:«قفزنا إلى سيارتنا في الأثناء التي تجدد فيها القصف، نظرنا إلى الوراء، فوجدنا منزلنا قد سُوي بالأرض أيضاً، وتضيف أم أحمد: «على الأقل تأكدنا من أنه ليس لدينا منزل نعود إليه».
الأطفال يخافون
ويعاني حفيدا أم أحمد مشكلات في الصحة العقلية، وقالت وهي تبدو محبطة وغاضبة: «أنا حزينة على أطفال غزة، لكن ما ذنب أطفالنا؟»، وتضيف: «لا أريد البكاء. لم يعد هناك ما أبكي عليه. لقد فقدنا كل شيء، لكن نحمد الله أننا نجونا».
وأثناء حديث الجدة اللبنانية شنت الطائرات الإسرائيلية غارات جديدة نتج عنها دوي عال، تسبب في بكاء حفيدها الأصغر الذي أخذت تقول وهي تحاول تهدئته «انظر كيف يخاف الطفل، مع كل صوت عالٍ، ومع كل باب يُغلق يبدأ في البكاء والصراخ»، وتقول إن أحفادها لم يعد بوسعهم النوم ليلاً، وبالتالي فهي وزوجها لا يستطيعان النوم أيضاً.
وتضيف: «لا يقتصر الأمر على أحفادي فقط، بل إن جميع الأطفال هنا يخافون من أي صوت عالٍ، يعتقدون أنه غارة جوية».
وكانت الأسرة فرت من قرية صغيرة بالقرب من صور، جنوب لبنان، وتعيش الآن في قاعة دراسية بالمدرسة التي تحولت الآن إلى مأوى لمئات الأشخاص من جنوب لبنان الذين فروا إلى بيروت.
ومن جانبه يقول زوج أم احمد بركات الذي يلقي باللوم على السياسيين في هذه الحرب، أعلم أنه كان ينبغي لنا أن ندعم شعب غزة، لكنها لم تكن حربنا، نحن بالطبع نريد حماية أرضنا، لكن من أجلنا، من أجل اللبنانيين. يجب أن نقاتل من أجل أنفسنا».
وأكد بركات إنه وعائلته متعبون للغاية ولا يريدون الحرب، ويضيف: «نحن لا نريد أن يموت أطفال إسرائيل ولا أطفالنا، يجب أن نعيش في سلام»، ولكنني لا أعتقد أن السلام سيحل قريباً، فنتنياهو لا يريد السلام. الأمر غير واضح تماماً، وستكون هذه الحرب أصعب بكثير من عام 2006 بالتأكيد».
وقالت أم أحمد: «كما نبكي على الأطفال في غزة، وأصبحنا نبكي على أطفالنا أيضاً، وكما يبكي الإسرائيليون ويخافون على أطفالهم، فإننا نفعل ذلك أيضاً».
وكما هي الحال مع العديد من العائلات الأخرى هنا، لم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها تهجيرهم، ففي عام 2006 وفي عام 1982 فقدوا منازلهم أيضاً، وهذه المرة الثالثة.
رسائل من الجيش الإسرائيلي
والتقت«سي إن إن» بأسرة كمال محسن، البالغ من العمر 65 عاماً والذي قال: «لم يكن لدينا سوى مهلة قصيرة فقط، فقد تلقينا رسالة من الجيش الإسرائيلي على هواتفنا، تطلب منا مغادرة منزلنا».
وكان كمال واحداً من العديد من الأشخاص الذين تلقوا هذه الرسالة ظهر يوم السبت تقريباً. وقال إنه بعد «30-40 دقيقة» وقعت سلسلة من الغارات الجوية على الحي الذي يعيشون فيه.
وقال: «لم نتمكن من أخذ أي شيء، أخذت مفتاح سيارتي وغادرت مع عائلتي، كل ما لدينا الآن هو ما نرتديه».
وقال كمال الذي يجلس مع ابنته وحفيده واثنين من جيرانه في فناء المدرسة التي لجأوا إليها: «لا توجد أماكن شاغرة هنا، إنها تمتلئ بمن فروا من الجنوب».
كان عليهم النوم في العراء في ليلتهم الأولى، لكنهم اكتشفوا اليوم أن أقاربهم الذين فروا من الجنوب موجودون هنا أيضاً، لذلك تمكنوا من التكدس في غرفة معهم، وقالت ندى، ابنة كمال: «نحن الآن من بين 16 شخصاً يعيشون في غرفة واحدة».
غادرت العديد من العائلات منازلها في جنوب لبنان دون أن تتمكن من جلب أي أغراض، إذ كان هدفهم الوحيد النجاة من القصف العنيف. ومن بين هؤلاء، سارة، ابنة بلدة معركة الجنوبية، التي وصفت تجربتها بأنها «كأهوال يوم القيامة».
قلق أممي
وكانت الأمم المتحدة أعربت عن قلقها الشديد إزاء التصعيد العسكري المتزايد بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وفي تصريح صحفي من جنيف، أشار المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ماثيو سالتمارش، إلى أن «عشرات الآلاف أجبروا على مغادرة منازلهم خلال الساعات الماضية، وما زال العدد يتزايد بشكل مستمر».
وأصدر وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال، القاضي بسام مولوي، توجيهات إلى المحافظين للتعاون بشكل كبير مع عملية النزوح الكثيفة من المناطق الجنوبية.
وتجاوزت حصيلة القتلى في لبنان ألف شخص منذ منتصف سبتمبر/أيلول، بحسب السلطات. فيما ارتفعت حصيلة ضحايا الغارة الإسرائيلية قرب صيدا بجنوب لبنان الأحد إلى 45 قتيلاً، بحسب وزارة الصحة.
وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي أنّ عدد النازحين وصل إلى نحو «مليون شخص»، متحدثاً عن «أكبر» عملية نزوح شهدتها البلاد.
والاثنين أفاد مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أن نحو مئة ألف شخص، لبنانيين وسوريين، فروا من لبنان باتجاه سوريا، هرباً من الغارات الإسرائيلية، وأن حركة النزوح مستمرة.